تنشر جريدة “أكاديرإينو” بتعاون مع جريدة “le12.ma” طوال الشهر الفضيل، ربورتاجات وبورتريهات حول أشخاص وأمكنة من سوس العالمة، كان لها الأثر في أحداث ووقائع يذكرها الناس ويوثقها التاريخ.
في حلقة اليوم يأخذكم هذا الربورتاج في رحلة إكتشاف سر تفضيل سواسة “للنقرة” على الذهب.
* سامية أتزنيت
الفضة، ذاك المعدن الثمين، ذو الدلالات الرمزية المتشعبة في الثقافة الأمازيغية. رمز الخير الوفير، والصفاء والنقاء، والحب والسلام، وكثير من الأمن والأمان.
ومثل بدر مكتملة أطواره يزين السماء بشعاعه وبهائه، تتزين الأمازيغيات بحلي الفضة دونا عن الذهب. المعدن اللماع، الذي وإن غلا ثمنه قد يكون خداعا، لأن في صفرته بصمة يمكن تزويرها. ولذا يقول المثل العربي ليس كل ما يلمع ذهبا. فيما يقول المثل الأمازيغي “الله يجيب لك نقرة فين يغبر نحاسك”، بمعنى أن الفضة وإن لم تكن لماعة مثل الذهب، فهي معدن أصيل ساتر للعيوب، من قبيل عيوب النحاس، القريب في مظهره، ولو قليلا، من لمعة الذهب.
الأمازيغ وتجارة الفضة
الحلي الأمازيغية ضاربة جذورها في التاريخ، وتعتبر منذ القدم إرثا فنيا وثقافيا، تناقلته الأجيال على مر العصور.
والتزين بالحلي كان ومازال رمزا للأناقة ورفعة الشأن، وهذه الحمولة الثقافية والجمالية تشهد على التمازج التاريخي بين مختلف الحضارات التي تعاقبت بالمملكة.
فضل الأمازيغ منذ التاريخ القديم وحتى اليوم معدن الفضة عن الذهب. وأثبتت بعض الدراسات وفق ادلة تاريخية أن الأمازيغ استخدموا الفضة في التبادل التجاري مع الفينيقيين ومن قبلهم، ما يؤكد أن تجارة الفضة لدى الأمازيغ اختصاص تجاري قديم جدا، ويعتقد أن تاريخها يرجع إلى عهد الفراعنة.
فيما تدل بعض الدراسات التاريخية على أن ازدهار تجارة الفضة بمنطقة سوس، كان على يد اليهود الذين قطنوا بها منذ زمن قديم، وأورثوا أسرار هذه التجارة، ومفاتيح مهنة صياغة الحلي لصائغين محليين.
ويقول الصائغ ورئيس مهرجان “تميزار” للفضة في مدينة تزنيت، عبد الحق الرخاوي، في حديثه مع “أصوات مغاربية”، إن اليهود كانوا أسياد الصائغين.
فهم أول من اكتشفوا منجم الفضة في أنزي (بتيزنيت) واستخرجوا منه المعدن، ثم بدؤوا في صياغته، وتتلمذ مغاربة مسلمون بعدها على أيديهم.
تيزنيت عاصمة الفضة
شاعت تجارة “النقرة” وتعني الفضة باللغة الأمازيغية، في منطقة سوس وتحديدا مدينة “تيزنيت”، عروس سوس وعاصمة الفضة المشهورة بصناعة وإنتاج المجوهرات الفضية والبرونزية.
وتاريخيا، كان لموقع تيزنيت الواقع قريبا من السواحل الأطلسية والمتواجد على الطريق التجاري المتجه من كلميم إلى الصويرة، دور كبير في ازدهار تجارة الفضة بالمنطقة.
تعددت الروايات التاريخية بشأن أصل اسم المدينة “تيزنيت”. والراجح أن هذا الاسم، أمازيغي لسيدة قيل إنها بنت من بنات الملوك الأمازيغ الذين حكموا المكان.
وتعد تزنيت أشهر مدن المغرب في إنتاج الفضة وصقلها. وفي قرية “أنزي” تحديدا، يوجد منجم كبير لاستخراج هذا المعدن الذي يتولى صائغون مهرة تحويله إلى قطع فنية. حتى إن هؤلاء الحرفيين المبدعين خصصوا لتجارتهم دارا سميت قديم ا بـ”تيكمي ن نقرت” أي دار الفضة.
وتختص عروس سوس بقطع فنية أمازيغية خالصة، من قبيل “تيزرزيت” أي المشبك أو الدبوس باللغة العربية، ثم الأساور الفضية الثقيلة، التي ترتديها النساء الأمازيغيات. ويٌشاع أن قطع الحلي هذه لا تستخدم فقط للزينة، وإنما أيضا كسلاح للدفاع عن النفس، لذلك تزيَن كثير من هذه الأساور بقرون فضية حادة.
ويتكون طاقم حلي المرأة الأمازيغية من “تازرزيت”، وهي عبارة عن قطعتين توضعان تحت الكتفين يتجلى دورها في تثبيت القفطان.
أما “ايسيرسل”، فهي القطع الدائرية التي تزين الرأس وتتدلى منه باتجاه الجبهة، ويدل التاج على أن الفتاة التي ترتديه لم يسبق لها الزواج. فيما يدعى حزام الخصر بـ”تاكوست”، ثم “دواويح”، وهي الأقراط.
سوق مجوهرات الفضة
في تيزنيت يتم تناقل تقنيات صناعة المجوهرات والحلي الفضية من جيل إلى آخر. لقد عرف صانعو المجوهرات الحرفيون كيفية تطوير مهاراتهم، وأصبحوا مختصين في تحضير مختلف أنواع الحلي والتيجان والقلائد والأساور والخناجر والكثير من القطع الفضية الأخرى.
وتحولت المدينة في السنوات الأخيرة إلى أكبر سوق وطني يشتهر بجودة وأصالة المنتوج الفضي أدى إلى انتعاش ورواج كبير لمنتجات الفضة وصناعها.
فقد تجاوز عدد المحلات والأوراش التي تصنع وتبيع الحلي الفضية، تسعمائة محل، يتوزعون في كل مداخل ومخارج المدينة.
وفي المدينة، قيسارية المجوهرات، التي تضم أكثر من مائة متجر متخصص في هذا النوع من الحلي، حيث يمكن شراء الجاهز، مثلما يمكن طلب تحضير حلي على المقاس.
وتنظم تيزنيت سنويا مهرجان “تيميزارت” احتفاء بالموروث الأمازيغي، وإبرازا للحرف اليدوية المحلية، وتنشيط السياحة الثقافية في عاصمة الفضة ونواحيها.
وينظم المهرجان عادة شهر يوليوز من كل سنة، يشارك فيه عارضون من مختلف المدن المغربية، مثل كلميم وأسا وشيشاوة وفاس ومكناس والصويرة وغيرها.