تنشر جريدة “أكاديرإينو” بتعاون مع جريدة “le12.ma” طوال الشهر الفضيل، ربورتاجات وبورتريهات حول أشخاص وأمكنة من سوس العالمة، كان لها الأثر في أحداث ووقائع يذكرها الناس ويوثقها التاريخ.
في حلقة اليوم يأخذكم هذا البروفايل في رحلة إكتشاف الحياة الأخرى لأحمد بادوج.. هرم المسرح الأمازيغي الذي مات وفي قلبه حسرة
* سامية أوتزنيت
“تامغارت وورغ”، “تييتي واضان”، “تاكوضي”، “تيسنتال”، “اجميل لغرض”، “تازيط وانغا”، وغيرها من الأعمال الأمازيغية الخالدة، التي لا يمكن ذكرها دون استحضار روح الفنان المتميز الراحل أحمد بادوج، قيدوم الفنانين الأمازيغ ورائد المسرح والسينما الأمازيغية بسوس العالمة.
طفولة غير عادية
لقد كان لرحيل الفنان أحمد بادوج وقع كبير بين جمهوره ومحبيه من المغاربة، الذين شغفهم حب الأعمال الفنية والسينمائية للممثل الراحل بادوج.
فنان استثنائي في تاريخ الفن الأمازيغي. بأصول “إمسكينية”، إذ ينحدر من قبيلة “إمسكين” المعروفة بجهة سوس. ورأى النور في حي “تالبرجت” الشهير بمدينة أكادير وذلك سنة 1950.
وبحكم اشتغال والده في العاصمة الرباط، انتقل وأسرته وعمره لايتجاوز العامين. لكن الأسرة عادت سريعا إلى أكادير، بعد ظهور علامات مرض “السل” عليه، وهو المرض الذي تسبب في وفاة إخوته.
فكان يخشى والده أن يفقد ابنه الأخير والوحيد ويضطر إلى دفنه في الرباط بعيدا عن أرضه الأم، “أكادير”. وشاءت الأقدار الإلهية، أن تتحسن حال أحمد رويدا، حتى شفي من السل تماما.
أثر وضعه الصحي على مساره الدراسي الابتدائي، إذ لم يلتحق بمقاعد الدراسة سوى في العاشرة من عمره، حيث درس في حي “الخيام”، ثم “أمسرنات”، وأكمل دراسته الثانوية بمدرسة “ولي العهد” بحي “أحشاش” عم 1968.
منذ أيام صباه، وأحمد بادوج محب للإبداع والفن، وكان دائم التعلم والاستكشاف. فأحب مهنة الصباغة وزاولها لفترة. ثم انتقل إلى لعب كرة القدم مع شباب حسنية أكادير وفرق أخرى غيرها، لكن ولاءه ظل لنادي حسنية أكادير حتى وفاته.
وإلى جانب نشاطه الرياضي، أحب الفن والتمثيل، فارتاد جمعيات شبابية فنية، من قبيل جمعية “أنوار سوس”، وأسس أول فرقة للمسرح أمازيغية عام 1972، أطلق عليها اسم “أمنار”. وهي كلمة أمازيغة مفرد وجمعها “يمنارن”، وتعني كوكبة من النجوم الساطعة في السماء والتي لايختفي نورها إلا مع الفجر.
بدايات المسار الفني
أضاء أحمد بادوج بفرقته سماء الفن الأمازيغي، وانطلقت مسيرته صوب مزيد من الأعمال المميزة والناجحة.
وفي عام 1985 سينضم إلى جمعية تيفاوين (أضواء) والتي سطع نجمه معها في مجال التمثيل المسرحي. فكانت أول مسرحية بعنوان “100 مليون” سنة 1985، ثم مسرحية “كرة القدم” سنة 1988.
وفي سنة 1989 لعب أحمد بادوج دور البطولة في أول فيلم أمازيغي بعنوان “تمغارت ن وورغ” (امرأة من ذهب)، كما ساهم أيضا في تصويره مع المخرج الحسين بيزكارن. وكان هذا الفيلم بمثابة اللبنة الأولى للسينما الأمازيغية في المغرب.
استلهم أحمد بادوج الكثير من المخرج بيزكارن على مستوى كتابة السيناريو والإخراج، فقرر كتابة أول مسرحياته الخالصة “تاكوضي”. أحب بادوج المسرحية كثيرا و كأنها ابن له. لكنها فشلت عند العرض خصوصا أنها عرضت في مدينة الدار البيضاء حيث الجمهور قليل.
نصحه أحد الملتفين حوله بالابتعاد عن الاخراج والاكتفاء بالتمثيل فقط. فأخذها أحمد بادوج كتحد، وقرر دراسة الاخراج في معهد فرنسي. ليتجاوز اليوم عدد الأفلام والمسرحيات الأمازيغية الناجحة التي أخرجها الثلاثين عملا.
حسرة على الوضع
كانت للراحل أعمال مسرحية عديدة وأفلام أمازيغية، وشارك أيضا في “سيتكومات” ناجحة منها على الخصوص سيتكوم”تيكمي امقورن” (الدار الكبيرة)، إلى جانب رفيق دربه لحسين برداوز، ومصطفى الصغير وفاطمة بوشان وتوليفة من النجوم الأمازيغ. وشارك أيضا في “سيتكوم” “همو بوتموكريسين”(همو ابو المشاكل)، رفقة الفنان رشيد أسلال، ومبارك العطاش، وأحمد نتاما وآخرون.
صحيح أن احمد بادوج أحب الفن كثير، لكنه مقت التهميش الذي طاله وفنانون أمازيغ آخرون. ودائما ما كان يعدد المشاكل التي يعانيها الفن الأمازيغي عموما، حتى إنه نصح الراغبين في ولوج هذا العالم التفكير مليون مرة قبل الإقدام على هذه الفكرة، أو اعتبار الفن هواية وليس مهنة قارة.
وظلت رسالته الأولى والأخيرة حتى وفاته هي إعادة الاعتبار للفنان الأمازيغي، والاهتمام باللغة والثقافة الأمازيغية، في معركة حارب فيها وحيدا، ولم يجد من يسانده بقوة.
رحل أحمد بادوج عن هذا العالم في صباح يوم السبت 22 أغسطس 2020، بقسم الإنعاش بالمستشفى الجهوي الحسن الثاني بمدينة أكادير، متأثرا بمضاعفات إصابته بفيروس كورونا، تاركا وراءه جملته الشهيرة: “أفلا يعفو ربي” (الله يعفو علينا).
* مصادر:
– كتب-صحف-سوشل ميديا