دأبت عدد من قبائل هوارة بإقليم تارودانت، على تنظيم موسم الرمى، وهو ملتقى سنوي وشكل من الأشكال الفرجوية الشعبية الضاربة في عمق التاريخ.
وقد أثار موسم الرمى جدلا واسعا وسط الرأي العام، في الآونة الأخيرة بين فريق يرى أن الموسم يعد تراثا إنسانيا لا ماديا يجسد أحد مظاهر التلاحم والتآزر بين مختلف القبائل، وفريق يرى أنه مجرد خرافة تجاوزها الزمن.
من الرماية إلى الفرجة
يعتبر موسم الرمى، تراثا شعبيا شفهيا فنيا متوارثا أبا عن جد، وهو من الأشكال الفرجوية التي كانت سائدة وظلت محافظة على وجودها في صراع دائم مع التاريخ وتقلبات الحضارات والمظاهر والعادات والتقاليد الاجتماعية.
وتعني كلمة “الرمى” الرماية بالبندقية أو السلاح على وجه التدقيق إلى درجة يمكن فيها القول بأن “الرمى” هم رماة كان همهم الأساسي هو التدريب على الرماية بالبندقية والاستعداد الدائم للدفاع العسكري.
وكان ولا يزال لكل فرقة أو مجموعة مقدم يسهر على تسييرها ورعايتها وغالبا ما يكون من أبرز شعرائها ونظامها.
المزاد “اللى ما شرى يتفرج”
في كل يوم من أيام الموسم، وبعد تناول الضيوف لوجبة العشاء، تنطلق حلقات المزاد، حيث يتم عرض أجزاء من الذبيحة للبيع، وينطلق مقدم الرمى في الدعاء بالخير والبركات لكل من حالفه الحظ لشراء اللحوم المعروضة للبيع، ليعلن بذلك عن انطلاق المزاد.
في أجواء تمتزج فيها الفرجة بالطابع الفكاهي، تشتد المنافسة بين القبائل حول من يستطيع الظفر بقطعة لحم أو رأس عجل أو كبد، وغير ذلك، حيث تتعالى أصوات المتزايدين من كل اتجاه، تتخللها وصلات فلكلورية لإضفاء نوع من الحماس بين القبائل الحاضرة.
وعندما يرسو المزاد على أحد المتزايدين، يشرع مقدم الرمى في الدعاء للفائز بالمزاد بالبركة، حيث تصل قطعة لحم صغيرة إلى أثمنة خيالية، ويتم تخصيص المبالغ المتحصلة لتغطية تكاليف موسم الرمى أو توظيفها في مشاريع اجتماعية وتنموية.
موسم الرمى بين التراث والخرافة
يرى عدد من المهتمين أن “موسم الرمى” يعد تراثا إنسانيا لا ماديا، متجدرا في أعماق التاريخ، حيث ظهر بمناطق هوارة وتارودانت منذ القديم واستطاع أن يقاوم جميع المتغيرات ويحافظ على أصالته، حيث يشكل الهوية الثقافية للمنطقة، وفرصة للقاء وصلة الرحم بين مختلف القبائل.
ومن جهة أخرى يرى بعض المتتبعين أن هذا الشكل الفرجوي قد تحول من فرصة للقاء والتعارف، إلى موسم للتباهي وتكريس الفوارق الاجتماعية والطبقية.
وقد أثير هذا النقاش عندما تم عرض رأس عجل للبيع بموسم الرمى بدوار بوعصيدة بجماعة سي أحمد اوعمر إقليم تارودانت، أمس الجمعة، والذي تم بيعه بثمن 5000 درهما، في مزاد علني مفتوح للعموم، حيث علق عدد من المتتبعين بالقول أن الأمر يتعلق بخرافة وتقاليد بالية عفى عنها الزمن.