يحتفي المغرب والأمم المتحدة، اليوم الأربعاء، باليوم العالمي لشجرة الأركان المعترف بها كتراث ثقافي لامادي للبشرية، حيث يعد هذا الاحتفاء التاريخي اعترافا دوليا بخبرة المملكة في مجال تثمين هذه الشجرة ذات القيمة الكبرى في المجال البيئي والعلاجي والتجميلي، وتتويجا لجهودها في تطوير شجرة الأركان كمصدر عريق للتنمية المستدامة.
جريدة “أكاديرإنو” حاورت السيد ميلود أزرهون المنسق الإقليمي لشبكة محمية أركان للمحيط الحيوي بتارودانت، حول أهمية الاحتفال بهذا اليوم العالمي، وكذا واقع شجرة الأركان بجهة سوس ماسة، والتدابير التي قامت بها الشبكة لحماية هذه الثروة التي تتميز بها المملكة المغربية، من خلال الحوار التالي:
1 – ماذا يعني لكم اليوم العالمي لشجرة الأركان؟
– اليوم العالمي لشجرة الأركان يأتي كتتويج لمسار طويل من العمل الجاد والجبار لمختلف الفاعلين على مستوى التراب الوطني، سواء على مستوى مجال الأركان الذي يمتد على مساحة 3 مليون هكتار بالمنطقة الوسطى الجنوبية من التراب الوطني المعترف بها من طرف منظمة اليونسكو منذ سنة 1998 كمحمية للمحيط الحيوي للأركان.
نعلم أنه منذ هذا الإعتراف هناك عمل كبير سواء من طرف مصالح المياه والغابات وأيضا من طرف المجتمع المدني الذي راكم تجربة كبيرة فيما يتعلق بالحماية والتحسيس والتوعية وتثمين الأركان، وهذا المجهود تعزز منذ أواخر 2011 وبداية 2012 بإحداث الوكالة الوطنية للواحات وتنمية مجال الأركان والتي اشتغلت على مجموعة من المشاريع المرتبطة بالتنمية بشكل عام لمجال الأركان، بالإضافة إلى البحث العلمي الذي راكم عددا مهما من البحوث الأكاديمية على مستوى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير او على مستوى كلية العلوم بجامعة ابن زهر، أو أيضا على مستوى معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بأيت ملول.
هذا الزخم الكبير الذي التقطته الدبلوماسية المغربية كرسالة وتعاملت معه بالجدية المعهود فيها استطاعت من خلاله انتزاع الاحتفال باليوم العالمي لشجرة الأركان من طرف مؤسسة الأمم المتحدة في 10 ماي من كل سنة.
هذا مهم جدا بالنسبة لنا لأن الأركان ليس فقط شجرة، ولكنه منظومة طبيعية لها حمولة ثقافية واجتماعية واقتصادية تساهم في تعزيز الخصوصية وتفرد المغرب كتراث وطني ضمن مجموع دول العالم بشيء يملكه وينفرد به دون باقي دول المعمور، وهذا لن يكون إلا مفخرة ومصدر اعتزاز لنا بالغنى وتنوع التراب الوطني المغربي بتواجد هذه الشجرة المباركة.
2 – كيف ترون واقع شجرة الأركان بجهة سوس ماسة؟
– واقع شجرة الأركان بجهة سوس ماسة لا يختلف كثيرا عن واقع الموارد الطبيعية بهذه المنطقة الجافة وشبه الجافة، خصوصا مع توالي سنوات الجفاف، فالتركيز على هذه الشجرة بالضبط ضمن المنظومة الطبيعية للمجال الطبيعي بسوس نابع من كونها العلامة المميزة لهذه المنطقة، فحين نتحدث عن الغابات في باقي التراب الوطني نتحدث عن غابات البلوط بالمعمورة، وغابات الأرز في الأطلس المتوسط، لكن حين نتحدث عن سوس نتحدث عن غابات الأركان.
وشجرة الأركان كعنصر أساسي تعيش ضغطا كبيرا متعدد العوامل، منها العامل الطبيعي المتعلق بالتغيرات المناخية لأن أركان معروف تاريخيا على مر العصور – منذ تواجده في الزمن الجيولوجي الثالث بهذه المناطق – بقدرته على التكيف مع التغيرات المناخية سواء ارتفاع درجات الحرارة المفرط او انخفاضها المفرط، وهذا ما يميزه عن باقي الأشجار الأخرى.
العامل الثاني وهو عامل مهم وله تأثير كبير، وهو العامل البشري المرتبط بالاستغلال المفرط للمجال الغابوي، وكذا التربة التي لم تعد قادرة على تحمل الضغط الممارس عليها من طرف مختلف الزراعات، خصوصا الزراعة العصرية التسويقية التي تراهن على كثرة الإنتاج واستعمال المواد الكيماوية لتكثيف الإنتاج من أجل تصديره دون مراعاة الوضع الطبيعي للغطاء النباتي الآخر، بالإضافة إلى عملية الاجتثاث عبر التاريخ منذ المرحلة الاستعمارية التي عرفت اجتثاث مساحات كبيرة لشجرة الأركان من أجل غرس الحوامض او ما شابه ذلك، بالإضافة إلى التوسع العمراني حيث نعرف اليوم ان جميع المراكز الحضرية وشبه الحضرية والقروية الموجودة في سوس، هي كلها توسعت على حساب مجال الأركان.
والمؤلم أنه مع هذا الضغط والتراجع الكبير، لم نلمس الجدية في التعامل مع هذه العوامل، إذا أضفنا أن الرعي الجائر أيضا وممارساته التاريخية التقليدية المعروفة، كان يتم بانسجام وتناسق مع طاقة تحمل مجال الأركان، اليوم مع جحافل الجمال القادمة من المناطق الجنوبية لأسباب متعددة تشكل ضغطا كبيرا على مجال غابوي هش لم يعد يقوى على التحمل، لكن يبقى العامل الأساسي هو الأنشطة الزراعية المرتبطة بالزراعة العصرية التي حولت مساحات شاسعة إلى أراضي قاحلة.
3 – ماهي التدابير التي تقوم بها شبكة جمعيات محمية شجرة الأركان للمحيط الحيوي لحماية شجرة الأركان؟
– بالنسبة لشبكة جمعيات محمية شجرة الأركان للمحيط الحيوي هو تجمع جمعوي تم إحداثه مباشرة بعد سنتين من الاعتراف بالمحمي، يعني منذ سنة 2002 والذي يشمل الأقاليم الستة التي تضم مجال الأركان، والتي تنتمي إلى ثلاث جهات وهي جهة سوس ماسة، وجهة مراكش آسفي، وجهة كلميم واد نون.
وتهتم الشبكة بثلاث عناصر أساسية، أولا انصب اهتمامنا منذ 10 سنوات على عملية التحسيس والتوعية وتخليف شجر الأركان، لأنه في مرحلة وصلنا إلى 1600 هكتار لغرس شجر الأركان بشراكة مع المياه والغابات ووكالة التنمية الاجتماعية والاتحاد الأوروبي، وكانت تجربة رائدة جدا، لو أنه تم استثمار تلك المساحات المغروسة والمحافظة عليها من طرف الساكنة المحلية وباقي المتدخلين، لكانت الأمور ستكون أحسن مما هي عليه الآن.
المحور الثاني الذي اشتغلنا عليه بشكل كبير هو تقوية قدرات الفاعلين المحليين، خصوصا النسيج الجمعوي والتعاونيات، وتعلمون أن من بين المعضلات التي واجهها أركان هو ضعف الوعي بإمكانية تخليفه، لأن الناس كانوا يعتقدون أن الأركان لا يمكن غرسه، وتم بدل مجهود كبير من طرف الشبكة لتوعية الناس بأن الأركان هو شجرة عادية بخصوصية متميزة، إذا تم غرسها والعناية بها تنمو، وقد أثبتنا ذلك في عدة مناطق بتارودانت واشتوكة وتزنيت وغيرها، حيث تمت هناك تجارب لتخليف الأركان، والتي أثبتت عن طريق التوعية والتحسيس أن الناس استوعبوا أن تواجدهم في منطقة أركان رهين بالمحافظة على هذه الشجرة وحمايتها، باعتبارها عنصرا أساسيا في الحفاظ على التوازن البيئي داخل المجال، من خلال حماية التربة والفرشة المائية وكذا حماية المناطق من عوامل التصحر، بمعنى أنها تحمي شروط العيش للإنسان في هذه المناطق، مما يقتضي من الإنسان رد الجميل والتعامل بالمثل مع هذه الشجرة ومع حمولتها البيئية لحماية نفسه.
أيضا هناك بعد ثالث والذي للأسف لم يحضى باهتمام باقي الفاعلين الآخرين، وهو البعد الثقافي الذي يعكس علاقة الإنسان بالشجرة ومحيطها البيئي، وحضور شجرة الأركان في الممارسات الثقافية للساكنة المحلية من خلال الأمثال الشعبية والأهازيج والأغاني المحلية والمعتقدات، حيث نجد بعض الأشجار تحمل أسماء ولها تاريخ مثل “أركانة الغولة” و”تركانت اوسنفو” و”أركانة سيدي أحمد اوموسى” و”أركانة المخارة” وغيرها من الأسماء، بمعنى أن هناك مجموعة من الأشجار مرتبطة بمعتقدات وطقوس الساكنة المحلية، والتي تبين أن علاقة الإنسان بالشجرة في تلك المناطق هي علاقة متميزة وثقافية، إلى جانب الحضور القوي للممارسات المرتبطة بالنساء في سلسلة إنتاج زيت الأركان من مرحلة الجمع إلى الإستعمال المنزلي أو العلاجي، مما جعله يصنف كتراث عالمي لا مادي.