مع اقتراب ساعة الصفر إعلانا عن حلول رأس السنة الأمازيغية الجديدة 2974، تحولت فضاءات مدينة أكادير إلى مسرح مفتوح للفرجة الجماعية والتنشيط الثقافي والفني، واستحقت بذلك لقب عاصمة الثقافة الأمازيغية.
حدث استثنائي..
تتواصل الاحتفالات بمدينة أكادير منذ يوم الثلاثاء الماضي وتستمر إلى غاية يوم السبت المقبل، احتفالا برأس السنة الأمازيغية “إيض يناير” ، والتي شكلت هذه السنة حدثا استثنائيا، بعد قرار صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية”.
كما يأتي أيضا بعد منشور رئيس الحكومة عزيز أخنوش الذي حدد 14 يناير من كل سنة كعطلة رسمية مدفوعة الأجر بمناسبة رأس السنة الأمازيغية، تنفيذا للقرار الملكي القاضي باقرار السنة الأمازيغية.
ونظرا لما تحمله احتفالات هذه السنة من رمزية ثقافية، والتي كرسها الاعتراف الرسمي بهذا الحدث، فقد بادرت جماعة أكادير إلى تنظيم احتفالية رأس السنة الأمازيغية، وذلك بشراكة مع جهة سوس ماسة، والمجلس الجهوي للسياحة، والوكالة الوطنية لتنمية لتنمية الواحات ومناطق الأركان، وجمعية تيمتار.
حديقة ابن زيدون تتحول إلى “تاسوقت”
وتحولت حديقة ابن زيدون وسط مدينة أكادير، إلى فضاء مفتوح للفرجة الجماعية من خلال تنظيم فضاء “تاسوقت إيض ن إيناير” وهو فضاء أعاد للأذهان تفاصيل الزمن الأمازيغي الجميل، حيث يضم خمس فضاءات، وهي فضاء “أندارو”، فسحة تربوية مخصصة للأطفال، فضاء “ألموكار” لعرض منتوجات التعاونيات المحلية، فضاء “أسالاي” الذي سيشهد معرضا للصور الفوتوغرافية والتحف الفنية الأمازيغية، وفضاء “أسايس” المخصص للفرجة والحكاية والتنشيط الفني، وفضاء الضيافة “تامصريت.
العطار ميمون جا..
وسط أجواء الفرح ونغمات كناوة، يتجول العطار ميمون بحماره وسط فضاء “تاسوقت إيض ن إيناير” محملا بجميع الأغراض المنزلية والحلويات ومستلزمات الزينة، رافعا صوته وسط الحاضرين “العطار ميمون جا”.
وقد أضفى العطار على فضاء “تاسوقت” طابعا خاصا، وأعاد لمهنة قديمة، عندما كان العطار يجوب الدواوير البعيدة وأعماق الجبال، حاملا معه السلع والأخبار، غير أن التطور المتسارع ساهم بشكل كبير في اندثار هذه المهنة.
مساء كل يوم تصبح الحديقة أو ” تاسوقت ” محجا لساكنة المدينة وزوارها من أجل الاستمتاع بأجواء الفرح الممزوج بالأنغام الأمازيغية الأصيلة، حيث ستعرف يوم غذ الجمعة، تنظيم مسابقة اختيار ملكة جمال الأمازيغ “ميس أمازيغ” وهي أول مرة يتم فيها تنظيم هذه التظاهرة في فضاء مفتوح مما سيمكن من استقطاب عدد كبير من الزوار.
للثقافة الأمازيغية عنوان..
لم يكن الجانب الثقافي غائبا عن هذه الاحتفالية الاستثنائية، حيث تحولت سينما صحراء بحي تالبرجت إلى منصة لعقد ندوات فكرية تلامس عمق الثقافة الأمازيغية. ويتعلق الأمر بتقديم وتوقيع كتاب “ءيناير؛ مدخل إلى دراسة التقويم الأمازيغي” لمؤلفه الأستاذ الحسين بويعقوبي.
كما تم تنظيم ندوة دولية ناقشت موضوع “ءيناير والعمق الثقافي المشترك لشمال إفريقيا”، عرفت مشاركة أساتذة جامعيون وخبراء وباحثون في الثقافة والهوية الأمازيغية من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وجزر الكناري.
كما احتضن المركب الثقافي محمد خير الدين بأكادير، منتدى أزافوروم، تحت عنوان “ترسیم السنة الأمازیغیة بالمغرب، الدلالات والتحدیات”.
“سوليما إينو”
عادت السينما الأمازيغية لتزين احتفالات هذه السنة بحلول رأس السنة الأمازيغية، حيث احتضنت سينما الصحراء بحي تالبرجت طيلة الأسبوع عروضا سينمائية أمازيغية بشراكة مع جمعية مهرجان إسني ن ورغ الدولي للفيلم الأمازيغي. من خلال عرض فيلم “في انتظار الرياح” لمخرجه عبد الرحمان الرايس، “إيجا” للمخرج رشيد الهزمير، “سوليما إينو” للمخرج أيوب أيت بهي، “تودرت” للمخرج الحسن سملالي ، “الأمل” للمخرج أنور خيري، “أمان إروفان” للمخرج مسعود بوكرن، وفيلم “تمديازت” للمخرج محمد أمخاو.
على نغمات أمازيغية..
وقد احتلت الموسيقى الأمازيغية حيزا كبيرا ضمن برنامج الاحتفالية، حيث تنوعت أشكال الموسيقي في تناغم فريد يجتمع فيه الماضي بالحاضر، حيث ستشهد قصبة أكادير أوفلا وساحة الأمل وكل من ساحات تيكوين وبنسركاو، وصلات فنية من فنون أحواش، وفن الروايس، والمجموعات الفنية الأمازيغية العريقة والعصرية.
كما سيتم تنظيم سهرات سهرات فنية من تنشيط نجوم الأغنية الأمازيغية، إزنزارن، فاطمة تابعمرانت، فاطمة تيحيحيت، حميد إنرزاف، لرياش، ريباب فيزون، مهدي قاموم وغيرهم.
كما ستكون ساكنة أنزا على موعد مع وصلات فنية تراثية بالكورنيش تحييها فرق محلية، كما سيشهد كورنيش أكادير لوحات فنية للشهب الصناعية وفرق موسيقية احتفاء برأس السنة الأمازيغية الجديدة.
للسنة الأمازيغية تاريخ..
يختلف البعض في أصل الحدث التاريخي الذي ينسب إليه الاحتفال بـ”إيض يناير”، إلا أن الأمازيغ يجمعون على كونه تقليدا متوارثا منذ مئات السنين، ومناسبة لتجديد التأكيد على تشبتهم بما تجود به الأرض من خيرات، والاحتفال بعلاقة الإنسان بالأرض
وقد دأبت العائلات الأمازيغية على إحياء “إيض يناير” بطقوس احتفالية، حيث تحرص على تحضير أطباق عشاء خاصة تختلف حسب المناطق، مثل طبق عصيدة “تكلا” الذي يحضر بدقيق الشعير أو دقيق الذرة ويزين بالفواكه الجافة أو البيض المسلوق.
وقد تنم تداول عدد من الحكايات حول أصل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية حيث تحكي الأسطورة الأمازيغية أن راعية أغنام عجوز تأففت من حلول يناير، فغضب منها واستعار أياماً من فبراير ليمدد ساعات بردِه حتى قضى على كل قطيعها.
وبين الأسطورة والتاريخ، تحتفل ساكنة أكادير على غرار شعوب المنطقة المغاربية، بحلول سنة 2974 بطقوس توارثوها أباً عن جد، وجعلو من هذا الحدث فرصة لرد الاعتبار للثقافة الأمازيغية والاعتراف بها كهوية لهذه المنطقة من شمال إفريقيا.