يحتفل المجتمع الدولي باليوم العالمي للإذاعة في 13 فبراير من كل سنة، وهو فرصة لتسليط الضوء على الدور المحوري لهذه الوسيلة الإعلامية التي لا زالت تقاوم الزمن بعد قرن من التميز والتفرد.
وتكمن أهمية الاحتفال باليوم العالمي للإذاعة في الاعتراف بالمكانة المتميزة التي يحتلها الراديو كوسيلة للاتصال، إذ يعد وسيلة سريعة وسهلة المنال ومنخفضة التكلفة للوصول إلى جماهير كبيرة، ما يجعلها أداة مثالية لتبادل المعلومات وتعزيز الوعي والتبادل الثقافي.
تاريخ الراديو
الراديو هو شكل من أشكال وسائل الإعلام والاتصالات التي عادة ما تنقل الموسيقى والأخبار والبرامج الأخرى من محطة بث واحدة.
وتم اختراع الراديو في عام 1895 على يد عالم فيزياء ومخترع إيطالي يدعى غولييلمو ماركوني، الذي يعود له الفضل في كونه أول من طور نظاما عمليا وناجحا للاتصالات اللاسلكية.
ومنذ نشأته كان الراديو وسيلة الاتصال الأساسية بل أحد أهم أشكال الاتصال في القرن العشرين، إذ أحدث ثورة في طريقة تلقي الناس للمعلومات ومشاركتها، ولعب دورًا حيويًا في الوصول إلى المجتمعات النائية باعتباره وسيلة اتصال منخفضة التكلفة.
وعلى مر العقود، أصبح البث الإذاعي مصدرًا حيويًا للأخبار والترفيه والمحتوى التعليمي وربط المجتمعات، وإلى الآن يستمر الراديو في لعب دور مهم في حياتنا، فهو بمثابة مصدر للمعلومات والترفيه بينما يساعد في ربط الأشخاص حول العالم.
وفي سنة 2011، أعلنت الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) يوم 13 فبراي يومًا عالميًا للإذاعة، وبعد عامين، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي للإذاعة حدثا دوليا في عام 2013، وتم اختيار هذا التاريخ كونه اليوم الذي أنشئت فيه إذاعة الأمم المتحدة في 13 فبراير 1946.
هنا الرباط
الإذاعة الوطنية المغربية هي أول إذاعة رسمية في المغرب، وقد انطلق أول بث لها في 15 أبريل 1928 إبان عهد الحماية الفرنسي للمغرب، حيث تقع استوديوهاتها بكل من الرباط (استوديوهات دار البريهي) والدارالبيضاء (استوديوهات عين الشق)،
وقد كانت الإذاعة الوطنية عند نشأتها، تحت وصاية وزارة البريد والبرق والتلفون، وبعد ذلك صارت تابعة لوزارة الأنباء، قبل أن تتطور وتصبح تابعة لوزارة الإعلام والداخلية، وبعدها وزارة الاتصال.
وقد عرفت الإذاعة الوطنية في أعقابِ استقلال المغرب اهتماما متزايدا بالبرامج التي تبث باللغة العربية، بَعدما كان المستعمِر يُسيطر على مقاليد الإذاعة، حيث بادر المغرب للالتحاق بركب التّقدم اللاَّسلكي، حيث سجل دخوله الدولي للإذاعة سنة 1957 عندما انخرطت “الإذاعة المغربية” في “الاتحاد الأوربي للإذاعة” الذي أُنشئَ سَنة 1950.
وقد كان للمغرب نشاط ودور ملموس في هذا الاتحاد، خاصة في فترة تولّي الدكتور المهدي المنجرة، منصِب المدير العام للإذاعة والتلفزة المغربية، والذي أثّر في مسار هذا الاتحاد ومصيره، وعِندما استقل المغرب وجد على أرضه أكثر مِن محطة إذاعية.
وفي غمرة المفاوضات التي أدَت إلى استقلال المغرب “تم تعميم احتكار الدولة المغربية في مجال البريد والبرْق والهاتف، واحتكار المواصلات السلكية واللاسلكية ومنها الراديوفونية، وما أنْ دَخَلت سَنة 1960 حتى كانت “الإذاعة الوطنية المغربية” صاحبة السيادة الإذاعية على طول البلاد وعرضها، بَعد أنْ اشْترَت تجهيزات إذاعية، وانتقلَت إذاعةُ طنجة إلى السّيادة المغربية”.
لسان المقاومة
لم تكن إذاعة طنجة مجرد وسيلة إعلامية عادية، بل كان لها دور نضالي وتاريخي هام لفائدة المقاومين إبان فترة الاستعمار الغاشم، استحقت منحها صفة مقاوم.
وقد واكبت إذاعة طنجة زيارة جلالة المغفور له محمد الخامس لمدينة طنجة، كما بثت عبر أثيرها خطابه التاريخي، وخطاب نجله الأمير مولاي الحسن وكريمته الأميرة اللاعائشة.
وقد شكلت هذه الإذاعة دعما قويا للمقاومين الذين كانوا يواظبون على الاستماع إليها، للتعرف على أخبار بعضهم البعض، وهي أخبار كان يتعذر التعاطي معها عبر الصحف التي كانت تخضع لمقص الرقابة المفروض عليها من قبل سلطات الاستعمار.
كما لعبت إذاعة طنجة دورا رائدا في تمرير رسائل مشفرة موجهة للفدائيين وعناصر المقاومة، حيث كانت تشكل الوسيلة الرئيسية التي تربط المقاومين بعضهم ببعض رغم تباعدهم جغرافيا وتفرقهم عبر الحدود المصطنعة ما بين مناطق خاضعة للاحتلال الفرنسي وأخرى تابعة للنفوذ الاسباني والمنطقة الدولية.
وكان جلالة المغفور له محمد الخامس يستمع بانتظام وهو في المنفى لإذاعة طنجة التي كانت تشكل بالنسبة إليه، إحدى القنوات الأساسية لمعرفة ما يجري داخل الوطن من أحداث ومستجدات، إذ لعبت إذاعة طنجة خلال هذه الفترة العصيبة من تاريخ المغرب دورا رائدا في إذكاء روح المقاومة في نفوس المواطنين المغاربة، وذلك بفضل إذاعيين وطنيين كانوا يشتغلون في هذه المحطة الإذاعية.
وفي طريق عودته من المنفى إلى أرض الوطن، وأثناء توقفه في نيس بفرنسا كان ميكروفون إذاعة طنجة في استقباله من خلال قيدوم الإذاعيين المرحوم مصطفى عبد الله الذي سجل الارتسامات الأولى لجلالة المغفور له محمد الخامس وهو يبشر الشعب المغربي قاطبة بانقضاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال.
عصر التحرير
لعل الدور الحساس الذي تلعبه الإذاعة في تشكيل الرأي العام، هو ما جعل الدولة تحتكر البث السمعي البصري على مدى عقود في المغرب، قبل انطلاق عملية تحريره ابتداء من سنة 2006.
ومع عملية التحرير، علق عدد من المهتمين آمالاً كبيرة على ظهور الإذاعات الخاصة بالمملكة، لكن واقع الممارسة خلال 18 سنة، أثبت أن مكتسبات التحرير باتت في حاجة مستعجلة إلى هامش من الإبداع والتجويد في الأداء والمضامين، التي تستهدف بها هذه الإذاعات أزيدَ من 16 مليون مستمع أسبوعياً، وذلك بغيةَ تحقيق الغاية منها، وهي الإسهام في انبثاق إعلام مواطن مؤهل للاضطلاع بدوره على الوجه الأمثل.
ويضم العرض الإذاعي الوطني الخاص 18 خدمة إذاعية تبث بالتشكيل الترددي “إف إم” يقدمها 13 متعهداً، إلى جانب باقة من 11 إذاعة تبث على الأنترنيت. تتكامل هذه الخدمات الخاصة، مع نظيرتها بالقطاع العمومي التي تشمل 5 إذاعات ذات تغطية وطنية، و11 إذاعة ذات تغطية جهوية. وعلى امتداد 80 في المائة من التراب الوطني، يتاح للمستمعين الاختيار بين 11 و20 إذاعة عمومية وخاصة.