تارودانت… سنة بعد الزلزال أية حصيلة؟..

تحل الذكرى السنوية الأولى للفاجعة التي ضربت ليلة الثامن من شهر شتنبر 2023 جبال الأطلس الكبير ومحيطها بكل من إقليمي الحوز وتارودانت وامتدت لمراكش وشيشاوة وورزازات.. فاجعة اصطلح على تسميتها بزلزال الحوز، وهو يوم مشهود وحدث جلل ماتزال آثاره بادية وجلية إلى اليوم.

الذكرى السنوية للزلزال، هي مناسبة لبسط حصيلة عمل القطاعات الحكومية للحد من آثار الفاجعة والتخفيف من ثقلها على المناطق المتضررة وساكنتها، وهنا سنقتصر في مقالنا على إقليم تارودانت دون غيره بحكم اشتغالنا به وتوفرنا على المعطيات التي تخصه.

وعليه ادعو القارئ الكريم إلى التحلي ببعض الصبر ليتمكن من الإحاطة بكل موضوعية وتجرد بالمجهودات المبذولة في هذا الصدد لاسيما أن لغة الأرقام والتدقيق في الغالب تكون  مملة وثقيلة، رغم أنها تنير العقل وتغذي الحكمة والتبصر، على عكس لغة التبخيس والتيئيس والعدمية والتهييج التي ينهجها البعض لغاية في نفس يعقوب.

بداية القصة

منذ الوهلة الأولى لزلزال 8 شتنبر 2023، تجندت السلطات الإقليمية والمحلية والمصالح الحكومية بإقليم تارودانت، من خلال تعبئة كل الإمكانيات البشرية واللوجيستيكية والوسائل المتوفرة على مستوى إقليم تارودانت، لتقديم الدعم والمساعدة الضروريين لمتضرري زلزال الحوز على مستوى هذا الإقليم.

وكانت المرحلة الأولى مرتكزة على الإغاثة والإنقاذ وتقديم الإسعافات والعلاجات الضرورية للضحايا ودفن الأموات، لتنتقل بعدها صوب المرحلة الثانية والمتمثلة في إحصاء الأسر والممتلكات المتضررة والعمل على إعادة إعمار المناطق المتضررة وتأهيلها.

مسيرة التأهيل وإعادة الإعمار

وفي هذا السياق، وتنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، ومن أجل تيسير عملية إعادة إعمار المناطق المتضررة تم إحداث لجنة إقليمية تجتمع بشكل يومي وتضم جميع القطاعات الوزارية المعنية بإعادة الإعمار، وذلك قصد تتبع وتنسيق عمل مختلف المتدخلين من مهندسين ومكاتب دراسات وشركات إزالة الأنقاض ومقاولات البناء، وكذا السهر على التنسيق الوثيق مع السلطات المحلية لتحديد الحاجيات وطبيعة التدخلات في الميدان.

وقد تمكنت هذه اللجنة من إحصاء الأسر المتضررة وتوصلها بالمساعدات المالية الاستعجالية، في 57 جماعة ترابية تهم 1604 دوارا، حيث تم بذل مجهودات هامة من طرف جميع المتدخلين للإسراع بعملية إعادة بناء المنازل المتضررة من خلال توفير الوثائق الضرورية لإعداد ملفات طلبات رخص إعادة البناء طبقا لدفتر التحملات الخاص بهذه العملية، والذي يحدد مختلف الشروط والتدابير المرتبطة بكيفية البناء وطبيعته، خاصة تلك المرتبطة بالوقاية والمتانة والسلامة والاحترام التام للطابعين المعماري والعمراني للمنطقة موازاة مع عملية إزالة أنقاض الدور المهدمة كليا أو جزئيا، وفتح المسالك المؤدية إلى الدواوير المعزولة.

وتتلخص حصيلة هذه العمليات إلى غاية 8 شتنبر 2024 فيما يلي:

– عدد الاسر المستفيدة بلغ: 14978 مستفيد

– عدد الرخص المسلمة: 14246 رخصة

– عدد المنازل المزالة أنقاضها: 13430 منزل

– عدد اوراش البناء المفتوحة: 13260 ورشة

– عدد الاوراش التي تم توطينها: 11160 ورشة

– عدد الأساسات المنجزة (الشطر 2) : 4093 اساس.

– عدد المنازل المنتهية أشغال هيكلة البناية (الشطر 3): 1455 منزل

ومن جهة أخرى تبذل المصالح المعنية جهودا لإيجاد الحلول المناسبة للدور المتواجدة بالمناطق غير القابلة للبناء والمعرضة لأخطار طبيعية كسقوط الأحجار وانجراف التربة والفيضانات، وتهم 776 منزلا، كما سيتم كذلك إنجاز مشروع إعادة إيواء ساكنة دوار تدارت بجماعة تگوگة ودوار مضيت بجماعة تسراس المتواجدين بمناطق غير آمنة.

قطاع التعليم

وفيما يخص قطاع التعليم فقد تمكنت الوزارة المعنية ومن خلال جهود المديرية الإقليمية بتارودانت وكافة شركاءها الخواص والعموميين الوطنيين والدوليين من القطع بصفة تامة مع التدريس داخل الخيام بالمناطق المتضررة.

كما تمكنت من تأهيل أزيد من 32 مؤسسة تعليمية بتكلفة فاقت 8 مليون و860 ألف درهم،  وتوفير أكثر من 420 وحدة معيارية تم استغلالها كحجرات دراسية وسكنيات ومرافق صحية وإدارات، كما تم تحويل وإعادة توطين 39 وحدة معيارية في إطار صفقة من تمويل منظمة اليونسف الدولية بتكلفة مليون و 763 ألف درهم، بالإضافة إلى تأهيل 630 حجرة دراسية في إطار مؤسسات الريادة ب 66 وحدة ابتدائية و05 مؤسسات إعدادية، وتعبئة ما يزيد عن 4 ملايين و741 ألف درهم من التجهيزات والمعدات المستخدمة في العملية التعليمية التعلمية.

القطاع الصحي 

وفيما يخص قطاع الصحة فقد تمكنت الوزارة المعنية من خلال جهود مندوبيتها الإقليمية بتارودانت وشركاءها على حضور متميز منذ الساعات الأولى للفاجعة، من خلال تعبئة أزيد من 70 طبيبا في مختلف التخصصات و200 ممرض وتقني صحة و40 سيارة إسعاف، بالإضافة إلى إحداث مستشفيات ميدانية وحملات طبية متعددة التخصصات، وحملات تحسيسية صحية وحملات تلقيح استهدفت الأطفال بمختلف الجماعات والدواوير المتضررة من الزلزال.

وقد مكنت هذه التدخلات من توفير الإسعافات والعلاجات والفحوصات الضرورية لأزيد من 47321 مواطن ومواطنة، واستفادة أزيد من 20017 طفل من الفحوص الطبية، واستفادة أزيد من 305 امرأة حامل من التتبع الطبي والتوليد، والقيام بأكثر من 90 اختبار معملي لجودة مياه الشرب والمواد الغذائية، بالإضافة إلى إنجاز أكثر من 7517 عملية تلقيح لساكنة المناطق المتضررة.

قطاع التجهيز

وفيما يخص قطاع التجهيز تمكنت الوزارة المعنية من خلال جهود مندوبيتها الإقليمية بتارودانت وشركاءها، من البصم على تدخل متميز من خلال تمكنها من بلوغ نسبة 100 في المائة في مدة وجيزة لإزالة الحواجز والمعيقات الناجمة عن الهزة الأرضية بالطرق الوطنية المصنفة والإقليمية وإعادة الحركية والانسيابية لها.

كما تم تفويت 6 صفقات تفاوضية  بتكلفة 104.6 مليون درهم لإزالة أنقاض المباني العمومية والمساكن المهدمة جراء الزلزال، والتي انتهى الشطر الأول منها وشارف شطرها الثاني على الانتهاء.

كما تم إعطاء انطلاقة صفقتين لتأهيل مقطعين طرقيين  يربطان كل من جماعتي تيزي نتاست وتافنكولت على الطريق الوطنية رقم 7 الرابطة بين إقليمي الحوز وتارودانت، حيث بلغ طول المقطع الأول 8 كيلومترات بتكلفة إنجاز مقدرة ب 101 مليون درهم، والمقطع الثاني بطول 22  كيلومتر، بتكلفة إنجاز مقدرة ب 178 مليون درهم.

القطاع الفلاحي

اما ما يخص القطاع الفلاحي فقد تمكنت الوزارة المعنية من خلال جهود المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بسوس من تسطير برنامج استعجالي بالموازاة مع برنامجه العادي للتمكن من تخفيف وطأة الفاجعة على الساكنة المتضررة.

حيث تمكن المكتب من فتح وتشطيب أزيد من 42 كيلومتر من الطرق والمسالك القروية، وتأهيل 12 وحدة لتثمين المنتجات الفلاحية، وحفر 7 مصادر للمياه الشروب، وتوزيع  11380 رأس من الأغنام، و87 ألف قنطار من الشعير، وغرس 110 هكتار من الخروب، ومعالجة 10 آلاف شجرة زيتون، واقتناء وتوزيع 54 طن من بذور الزعفراء، وتوزيع 121 ألف نقلة لأشجار مثمرة، وتوزيع أجهزة ومعدات على التعاونيات الفلاحية المحلية ومواكبتها.

“ANDZOA” في قلب المعركة

وفي نفس السياق تمحور تدخل الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان عبر تسطيرها لبرنامج استعجالي بتكلفة إجمالية مقدرة ب 40 مليون درهم، حول ثلاث محاور: 

1- برنامج التزود بالماء الشروب: تم إنجاز 10 مشاريع على صعيد 10 جماعات ترابية بتكلفة مالية تناهز 10 ملايين درهم، واستفاد من هذا البرنامج ما يقارب 6673 مستفيد على مستوى 27 دوار.

2- برنامج بناء الطرق القروية: تم إنجاز 15 كيلومتر من الطرق القروية بمعدل 6 مسالك متفرقة وبغلاف مالي يقدر ب 23 مليون درهم، حيث يهدف هذا البرنامج إلى فك العزلة والرفع من الولوجية على 15 دوار.

3- محور التعليم: بشراكة مع المجلس الإقليمي لتارودانت، تم اقتناء ومنح 17 سيارة للنقل المدرسي لفائدة 17 جماعة ترابية تابعة للإقليم بتكلفة مالية تناهز 7 ملايين درهم.

كما قامت الوكالة بتقديم برنامجها من المشاريع الموازية، ويتمثل في:

– تجهيز 15 مشروع لضخ الماء الصالح للشرب بالطاقة الشمسية على صعيد 09 جماعات ترابية، وتجهيز دور الطالب والطالبة بالشراكة مع الوكالة البلجيكية للتنمية.

– اقتناء وتوزيع تجهيزات دور الطالب والطالبة بالشراكة مع المجلس الإقليمي لتارودانت بكلفة إجمالية تقدر ب 2 مليون درهم.

التجارة والصناعة

وزارة التجارة والصناعة هي الأخرى سطرت برنامجا استعجاليا لدعم التجار المتضررين من زلزال 8 شتنبر 2023 على مستوى إقليم تارودانت، والذي استهدف التجار أصحاب المحلات التي تعرضت إلى الانهيار الكلي أو الجزئي، والتجار أصحاب المحلات التي بها شقوق، والتجار الذين تعرضوا إلى أضرار على مستوى التجهيزات، ثم التجار بدون أضرار.

وفي إطار هذا البرنامج تم اتخاذ ثلاث إجراءات، حيث تم إحصاء التجار المتضررين من الزلزال من طرف المندوبية الجهوية للصناعة والتجارة بتنسيق مع السلطات المحلية، أسفر عن إحصاء 587 متضررا، وعقد اجتماعين يومي 21 و28 يونيو 2024 بمقر الكتابة العامة للإقليم بحضور السلطات المحلية المعنية ومندوب الصناعة والتجارة بأكادير، خصص لتصحيح الأخطاء المادية والمصادقة على المعلومات المتعلقة بالتجار الذين تم إحصاؤهم من طرف المندوبية، ثم في الإجراء الثالث والأخير تمت إحالة لائحة التجار المعنيين على المصالح المركزية لوزارة الصناعة والتجارة لإجراء خبرة فنية من طرف مختبر LPEE والعمل على تعويض المتضررين المستحقين في المستقبل القريب.

الصناعة التقليدية

قطاع الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي بدوره سطر برنامجا استعجاليا لمجابهة آثار الزلزال على منتسبيها، حيث تم إحصاء الصناع التقليديين المتضررين من الزلزال بهدف تقديم الدعم من أجل إصلاح الورشات المتضررة، والتي خلصت إلى مايلي:

– عدد الصناع التقليديين الذين تم إحصاؤهم على صعيد الإقليم 892 صانعا.

– عدد الصناع التقليديين الذين تقدموا بملفاتهم لطلب الدعم 442 صانعا.

– عدد الصناع التقليديين الذين توصلوا بالدعم المادي 181 صانعا.

– مبلغ الدعم المادي المتوصل به بالدرهم  5142400.00

– الصناع المتبقون سيستفيدون من الدعم حسب المجموعات وعلى مراحل بعد دراسة ملفاتهم.

مجهودات جبارة ولكن..

هذا غيض من فيض، وتلك حصيلة قد نقول عنها جزئية لغياب ملفات عدد من القطاعات والمؤسسات العمومية الأخرى، غير أنها على العموم مبشرة وموضحة لمدى التضحيات والمجهودات المبذولة للحد بشكل كبير من آثار الزلزال على المناطق المتضررة وساكنتها تنفيذا لتعليمات عاهل البلاد.

 غير أنه وبالرغم من هذه التضحيات، ما زال العمل لم ينتهي بعد وما زال في القلب غصة، وهذا بإقرار كل المتدخلين، نظرا لجسامة الفاجعة، ولبروز إكراهات أخرى يتشابك فيها ما هو بيروقراطي واجتماعي وجغرافي ولوجيستيكي، ولعل أبسطها، المشاكل التي تقع بين الورثة حول أحقية الإستفادة، ونقص مقاولات البناء واليد العاملة المؤهلة، وبعض التأخر في معالجة الملفات، ونقص الموارد البشرية واللوجيستيكية لبعض المصالح والمؤسسات العمومية…

وأمام هذه الإكراهات، تسارع المصالح المعنية وتواصل العمل والتعبئة لإيجاد السبل الكفيلة لحلها بشكل نهائي وجدري سيما أن برنامج تأهيل وإعمار المناطق المتضررة ممتد لأربع سنوات مقبلة، وصبغة الرعاية السامية ضامنة لإنجازه، والاعتمادات المالية المرصودة  والبالغة 120 مليار درهم كفيلة بتنفيذه في أحسن الظروف.

بقلم: محمد ضباش