إمارة المؤمنين ترعى الاجتهاد البناء للنهوض بأوضاع الأسرة

استكمالا لمسلسل التشاور والنقاش الموسع الذي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وجهوده السامية لإصلاح مدونة الأسرة، الذي حث عليه في مضامين رسالته السامية الموجهة لرئيس الحكومة بتاريخ 26 شتنبر 2023 والقاضية بإعادة النظر في هذا الورش المجتمعي، ترأس جلالته جلسة عمل خصصت لموضوع مراجعة مدونة الأسرة قبيل تقديم مشروع قانون مراجعة مدونة الأسرة أمام البرلمان.

فما فتئ جلالته، في هذا الإطار، يولي متابعة حثيثة لموضوع مراجعة مدونة الأسرة، مما يعكس الأهمية الخاصة والعناية البالغة التي يوليها جلالة الملك لهذا الموضوع الذي يهم جميع رعاياه، وسعيه المتواصل لتحقيق مصلحتهم العليا، إذ يروم إرساء قواعد متينة للأسرة، باعتبارها حجر الزاوية في المجتمع المغربي.

هذا الورش الإصلاحي الذي تم تدشينه، تميز بمروره عبر مراحل متدرجة ومتعددة من الاستماع لجميع المتدخلين، وصياغة المقترحات وملاءمتها، وإبداء الرأي الفقهي بشأنها، وذلك في إطار المشاركة والشمولية والطبيعة التشاركية والشاملة للنهج المتبع في إصلاح المدونة مما يسمح للحداثيين والمحافظين على حد سواء الإجماع عليها وتبنيها.

إذ وفي أعقاب انتهاء المراحل التحضيرية لمسلسل مراجعة مدونة الأسرة، وبعد قيام جلالة الملك بالتحكميات الضرورية التي تنشد مصلحة الأسرة المغربية وفق المرجعيات والغايات المرجوة، تفضل جلالته بتوجيه المجلس العلمي الأعلى لدراسة المقترحات المرتبطة بنصوص دينية، وإصدار رأي شرعي بشأنها في ظل الضوابط التي حددها جلالة الملك وفي مقدمتها ضابط عدم تحريم حلال ولا تحليل حرام.

وسعيا منه إلى خلق توازن حقيقي بين القيم الإسلامية والحقوق الاجتماعية، دعا جلالة الملك، إلى الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة، وتعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية، وما تتطلبه من أجوبة تجديدية تساير متطلبات العصر بما يخدم المصلحة السامية للأسرة، في ظل تطور المجتمع.

زيادة على ذلك، شدد جلالته على أهمية استحضار مشروع مراجعة مدونة الأسرة لمبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام، النابعة من الدين الإسلامي الحنيف، ومن القيم الكونية المستمدة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب قصد ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة.

كما دعا جلالته إلى النظر لمضامين المراجعة في شموليتها، كونها لا تنتصر لفئة دون أخرى، بل تهم الأسرة المغربية التي تشكل الخلية الأساسية للمجتمع.

إن هذا الإصلاح المتوازن والطلائعي ليس له بوصلة سوى مصلحة الأسرة المغربية وتطورها حيث يهدف إلى تكريس الطابع المركزي للأسرة، إذ تظل الوحدة الأسرية هي الرابح الأكبر من هذا الإصلاح باعتبارها حجر الزاوية في المجتمع المغربي.

إن هذا النموذج المغربي النابع عن رؤية ملكية متبصرة يعد خير شاهد على تفرد المغرب على المستويين الإقليمي والدولي، من خلال اعتماده لهذه المقاربة المنفتحة والشاملة والمتطلعة للمستقبل تجاه القضايا الدينية، والتي لطالما كان الغرض منها حماية ورفاهية المجتمع المغربي انطلاقا من الأسرة المغربية باعتبارها ركيزة ونواة المجتمع الوطني.