من “السبحة إلى اللحية”.. “سحات الليل” للمصطفى أسدور.. رحلة أنثروبولوجية في وجدان الإنسان القروي

marche verte 2025

أثرى الكاتب المصطفى أسدور المشهد الروائي المغربي بصدور عمله الجديد “سحات الليل: رحلة قروي من السبحة إلى اللحية” عن دار النشر “مكتبة سلمى الثقافية”.

ويأتي هذا العمل ليُشكّل الحلقة الرابعة ضمن مشروع “أونتروبولوجي” يتناول فيه الكاتب “حركة الإنسان في المجتمع القروي”.

وتُسلّط الرواية الضوء على التحولات الاجتماعية والدينية في المجتمع القروي المغربي، مُقدمةً سرداً عميقاً يستنطق الهُوية ويُسائل التدين في سياق العودة إلى الذاكرة الشعبية والروحية.

إشادة نقدية.. الرواية “معمار للمعنى وجسر بين الفرد والمجتمع”

حظيت الرواية بتقديم نقدي مُعمّق من الدكتورة حكيمة الشامي، الباحثة المغربية المتخصصة في الفكر الإسلامي والعقيدة والتصوف.

ترى الشامي أن “سحات الليل” تندرج ضمن مسار التجديد في المتن الروائي المغربي، كـ”لحظة فارقة” تسعى إلى توسيع مجالات القول واستثمار أدوات الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا، دون إغفال البُعد الجمالي.

وأكدت الدكتورة الشامي في تقديمها أن الرواية ليست مجرد “توثيق لمرحلة، أو رصد لتحولات اجتماعية”، بل هي “تجربة إبداعية تجسد كيف يمكن للرواية أن تكون معماراً للمعنى، وجسراً بين الفرد والمجتمع، وبين الماضي والمستقبل”.

رحلة في وجدان الإنسان القروي وتفاصيل التدين الأصيل

تصف الشامي العمل بأنه “شهادة سردية عميقة عن روح إنسان مغربي قروي، ظل قابضاً على جذوة الإيمان وسط رياح التحولات”.

وتُشير إلى أن الرواية تُقدم صورة للتدين المغربي كما تشكل عبر القرون: “عفوياً، متجذراً، مؤنسناً، يفيض بالحكايات والأساطير والأمثال تُنير السبيل”.

كما تُبرز الناقدة أن الرواية تبتعد عن الخطابية المباشرة أو التنظير الأجوف في مقاربة الظواهر الاجتماعية والدينية، بل “يُفرغها (الكاتب) في مشاهد فنية متخيلة، وحوارات نابضة، ونبضات سردية دقيقة”، داعية القارئ إلى “الإنصات” للعمل ببطء وخشوع، إذ تُمثل “مرآة أدبية للإنسان المغربي في هشاشته وسموه، وتدينه وصمته”.

تحليل أنثروبولوجي جمالي للتدين المغربي المتوازن

تذهب الدكتورة حكيمة الشامي إلى أن الرواية تتخذ صفة “مُخبر أنثروبولوجي جمالي” يسبر أعماق النفس المغربية وهي تتأرجح بين “التدين التقليدي المتجذر، والتدين المستورد”.

وتُثني على الكاتب مصطفى أسدور لقدرته على تفكيك الظواهر الاجتماعية والدينية عبر السرد، بعيداً عن فخ التنظير.

وتُشدد الشامي على أهمية الرواية في تقديم التدين المغربي كـ”نموذج ثقافي – روحي مفتوح”، استطاع الحفاظ على توازنه بفضل “عمقه التاريخي، واستناده إلى المرجعيات المذهبية (الثوابت الدينية)، والروحية والمحلية (الممارسة الشعبية، الطرق الصوفية)”.

الأمر الذي جعل الرواية نصاً إبداعياً تتقاطع فيه الذات الفردية بالمِخيال الجمعي، وتتمازج فيه الرواية بالفكر والأنثروبولوجيا بالشهادة الثقافية.

وتشير الشامي إلى أن “سحاتْ الليلْ” ستظل “شاهدة على لحظة فارقة من تحولات الوعي المغربي، وشهادة على مرحلة وجودية يتقاطع فيها الإنسان مع الأرض، والتدين مع الهوية، والرمز مع الواقع”.

وتختتم الباحثة تقديمها بالإشارة إلى أن هذه الرواية “كُتبت بحبر الداخل، ونُسجت خيوطها من أقمشة الذاكرة المغربية العتيقة، حيث كل تفصيل صغير يحمل في طياته ثِقل المعنى، وعمق التجربة، ونداء السؤال”.