في إطار برنامجها الدعوي والتوعوي، أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عن تخصيص خطبة موحدة لليوم الجمعة 22 جمادى الأولى 1447هـ، الموافق لـ14 نونبر 2025، تحت عنوان “ذكرى الاستقلال المجيدة.. عبر ودلالات”.
وتُخلد الخطبة الرسمية هذه المناسبة الوطنية الكبرى باستحضار تضحيات الآباء والأجداد في سبيل نيل الحرية والاستقلال، معتبرة إياها نعمة من نعم الله عز وجل على هذا الوطن، ثمرة جهود مخلصة بذلها رواد الحركة الوطنية، وفي مقدمتهم جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، وولي عهده آنذاك جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، إلى جانب كافة أفراد الشعب المغربي.
وأكد نص الخطبة أن ملحمة الاستقلال لم تكن لحظة عابرة، بل جاءت بعد نضال مرير استمر لأزيد من نصف قرن، تخللته محطات بارزة أبرزها تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، وخطاب طنجة التاريخي، وثورة الملك والشعب، إلى أن تُوجت بعودة الملك الشرعي والأسرة الملكية من المنفى، حاملاً مشعل الحرية، وبشارة الانعتاق من الاستعمار، وبداية عهد السيادة الوطنية.
ولخص نص الخطبة النضال المتواصل والجهاد الأكبر الذي خاضه المخلصون من هذا الوطن الغالي، من الملك العظيم، ومن الشعب المناضل الوفي بما عاهد الله عليه، في أربع عبر كبرى:
أولها: أن هذه الذكرى تذكرنا بتضحيات الآباء والأجداد، وهي منة من رب العالمين، ثم من جهود المخلصين لهذا الوطن وفي مقدمتهم جلالة المغفور له مولانا محمد الخامس، طيب الله ثراه، وولي عهده ثم وارث سره وعزمه جلالة المغفور له مولانا الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، وإلى جانبهما الشعب المغربي قاطبة، حيث قدموا الغالي والنفيس لمدة تزيد عن نصف قرن من الزمان، كلها نضال ومقاومة لكل أشكال الاستعمار وأساليبه ومناوراته، مقاومة بشتى الوسائل داخل الوطن وخارجه، عبر محطات ومنعطفات حاسمة كتقديم “وثيقة المطالبة بالاستقلال”، وخطاب السلطان “محمد الخامس بطنجة”، و”ثورة الملك والشعب”، حتى توجت تلك الجهود بنيل الاستقلال وعودة السلطان جلالة المغفور له محمد الخامس وأسرته الشريفة من المنفى إلى عرشه ووطنه، حاملا مشعل الحرية والأمن والاستقلال.
ثانيها: أن استقلال المملكة المغربية من الحماية الأجنبية جاء نتيجة أسباب عدة، أولها: حماية هويتهم بالدين الذي حافظ عليه المغاربة منذ القرن الأول من فجر الإسلام إلى يوم الناس هذا، ومنها إيمانهم بأن الله تعالى ناصرهم لقوله سبحانه:
]وَكَانَ حَقّاٗ عَلَيْنَا نَصْرُ ۴لْمُومِنِينَؐ[[2].
ثالثها: إن الأمة المغربية لم ترض يوما بالذل والهوان، ولم تسمح بالنيل من كرامة مواطنيها وسيادة بلدها مهما كلف ذلك من الأثمان، ومنها وحدة الكلمة وتوحيد الصف خلف إمارة المؤمنين، والالتفاف حول العرش العلوي المجيد والنصح له في جميع الأحوال.
رابعها: الاقتناع الراسخ بعدالة قضيتهم وإيمانهم بأحقيتهم فيما ناضلوا من أجله.
عباد الله؛ لهذه الأسباب وغيرها من الأسباب المشروعة، نال المغرب استقلاله، واستأنف مسيرته في البناء والتنمية وتحديث مؤسساته، وأخذ مكانته اللائقة به بين الأمم والشعوب.
نفعني الله وإياكم بقرآنه المبين وبحديث سيد الأولين والآخرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على عبده ونبيه وصفيه من خلقه، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه في سره وجهره.
عباد الله؛ ثالث العبر والدروس المستفادة من ذكرى “عيد الاستقلال المجيد” هو ما لخصه مولانا أمير المؤمنين محمد الخامس، أكرم الله مثواه، في جملة واحدة، متأسيا في الاستشهاد بها بجده المصطفى ﷺ إذ يقول:
“رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”.
نعم، إخوة الإيمان؛ الجهاد الأكبر هو بناء المغرب الحديث، بالاستفادة من كل ما هو صالح ومفيد من النظم الحديثة والتغيرات الدولية في كل المجالات، مع المحافظة على الهوية المغربية وخصوصيتها في تشبثها بثوابتها الدينية والوطنية، ونظامها المبني على إمارة المؤمنين الحامية للملة والدين على أساس البيعة الشرعية.
وما يزال هذا الجهاد يستثمر الجهاد في بناء الدولة الحديثة دولة الحق والقانون المؤسسة على المرجعية الإسلامية في قوانينها ونظمها، وفي استكمال وحدتنا الترابية.
وها هو مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله وأعز أمره، يواصل الجهاد الأكبر واصلا الليل بالنهار، باذلا كل الوسع في تحقيق التنمية الشاملة لوطنه وشعبه؛ في جميع المجالات والميادين؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واضعا الإنسان المغربي على رأس أولوياته، تعليما وصحة وحمايةً إنسانيةً وتوفير كل ما يمكن توفيره لإسعاده والرقي به بين الشعوب والأمم.
وما الإنجاز الدبلوماسي المعلن عنه يوم الواحد والثلاثين من أكتوبر عنا ببعيد، فقد توج هذه الجهود المباركة، بفضل الله تعالى، ثم بفضل السياسة الرشيدة والتوجيهات الحكيمة لمولانا أمير المؤمنين حفظه الله بما حفظ به الذكر الحكيم، وجزاه عن المغرب والمغاربة خير الجزاء، ومتعه بمزيد الصحة والعافية حتى يحقق كل ما يصبو إليه من رقي وازدهار لفائدة بلده وشعبه.
هذا، وأكثروا من الصلاة والسلام على ملاذ الورى في الموقف العظيم، سيدنا محمد ﷺ، فاللهم صل وسلم وبارك وأنعم على هادي الأمة، وكاشف الغمة، والرحمة المهداة، والنعمة المسداة، سيدنا محمد صلاة وسلاما تامين إلى يوم الدين.
وارض اللهم عن آل بيته الطاهرين، وعن خلفائه الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحب أجمعين، خصوصا منهم المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وعنا معهم بجودك وفضلك يا رب العالمين.
وانصر اللهم بنصرك المبين، وتأييدك المتين، من اصطفيته لوراثة جده المصطفى ﷺ، واخترته لقيادة الأمة بالحكمة والتبصر الرصين، مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمدا السادس، واحفظه اللهم بحفظ كتابك، واكلأه بعينك التي لا تنام، واحرسه في جنبك الذي لا يضام، موفور الصحة في تمام العافية، وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي، الأمير الجليل مولاي الحسن، مشدود الأزر بصنوه السعيد، الأمير الجليل مولاي رشيد وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة، إنك سميع مجيب.
وارحم اللهم أبطال التحرير والاستقلال، وبناة مجد هذه المملكة الشريفة بكل تفان وإخلاص، وفي مقدمتهم الملكين الجليلين: مولانا محمدا الخامس ومولانا الحسن الثاني، اللهم اجزهما عنا خير ما جزيت محسنا عن إحسانه، وأكرمهما في مقعد صدق عندك، مع المنعم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.
اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، واجعلنا من الشاكرين لنعمائك، المقرين بعظيم فضلك وجليل آلائك، واجعل بلدنا هذا بلدا آمنا سخاء رخاء، وسائر بلاد المسلمين. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، إنك لذو فضل على الناس، وإنك واسع المغفرة.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدا.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.