في ليلة لم تكن كغيرها، شهدت مدينة بيوكرى بإقليم اشتوكة أيت باها ليلة أمس الأربعاء لحظة إنسانية عميقة، تجاوزت حدود التدخل الإداري الروتيني لتصبح درساً في الرحمة والتكافل.
فبينما كان البرد القارس يلفّ المدينة بأرديته الثلجية، كانت السلطات المحلية، بالتعاون مع جمعية أهلي و”التعاون الوطني”، تشن حملة “دفء” إنسانية استهدفت المشردين والمستضعفين في أزقة ودروب المدينة.

العثور على “شيخ الشجرة”.. صرخة صامتة في عز الليل
لم يتوقع القائمون على الحملة المشهد الذي صادفوه في أحد جنبات المدينة؛ فقد عثر الفريق على مسن وحيد، يواجه قسوة الطبيعة بوحدة موجعة.
المثير والمؤلم في الأمر، هو أن المسن اتخذ من شجرة ملاذاً له، ينام فوق أغصانها محاولاً اتقاء البرد القارص والأرض الباردة، في صورة جسّدت مأساة “المُشرَّد” الذي أتعبته الحياة.
اقترب فريق الحملة بملامح الدهشة التي امتزجت بالأسى، وبدأت عملية التواصل بهدوء ولين.
كانت الأولوية لإنقاذ حياة الرجل وتوفير الدفء المفقود.. توقفوا واقتربوا منه بملامح الدهشة، وتحدثوا إليه بهدوء… إنه كان يستر قلباً وجسدا أتعبته الحياة.

رحمة الإدارة ودفء المجتمع.. لحظات فارقة
لم يقتصر التدخل على مجرد الاستفسار، بل تحول فوراً إلى فعل إنساني ملموس، حيث تم تقديم وجبة طعام ساخنة للمسنّ، بالإضافة إلى الأغطية والمساعدات التي أعادت لجسده بعض الحرارة المفقودة، وزرعت في روحه بعض الاطمئنان الذي سلبته الوحدة والقسوة.
المشهد ترك أثراً عميقاً في نفوس جميع الحاضرين، مؤكداً أن الإنسانية تظل القيمة العليا.
ويؤكد هذا العمل أن الأجهزة الإدارية والجمعوية حين تتكاتف، فإنها تتحول إلى سند حقيقي للفئات المنسية، وتجسد رسالة تقول إن “السلطة والفعل الجمعوي حين يمارس بقلب كبير، يتحول إلى رحمة”.

تأمين الكرامة والرعاية
وفي ختام هذا التدخل، تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان مستقبل أفضل للمسن، حيث يجري حالياً الترتيب لنقله إلى إحدى المؤسسات الاجتماعية المؤهلة التي ستحفظ كرامته وتضمن له الرعاية الصحية والاجتماعية اللازمة، بعيداً عن قسوة الشارع والبرد.
ويبقى هذا المشهد في بيوكرى مثالاً حياً يذكرنا جميعاً بأن الرحمة قادرة على تغيير مصير إنسان.. ولو بلحظة، فالإنسانية قبل كل شيء، وهي البوصلة التي يجب أن توجه عملنا الجماعي والإداري في مواجهة تحديات الفقر والتهميش.