بانورما رمضان. “إكودار” في أكادير ..ليست مجرد مخازن

تنشر جريدة أكاديرإينو  بتعاون مع جريدة “le12.ma”، طوال الشهر الفضيل، ربورتاجات وبورتريهات حول أشخاص وأمكنة من سوس العالمة، كان لها الأثر في أحداث ووقائع يذكرها الناس ويوثقها التاريخ..

حلقة اليوم، عبارة عن ربورتاج، حول المخازن الجماعية “إكودار”.. تراث حقيقي وكنز معماري فريد..

*سامية أتزنيت

’’اكودار‘‘ تحفة العمارة الأمازيغية المغربية، التي تفتخر بها مدينة أكادير ومنطقة سوس عموما، تتحدى عوادي الزمن، شامخة تواصل المسير في درب التاريخ الأمازيغي الأصيل.

معمار أمازيغي بامتياز

’’إكودار‘‘ جمع ’’أكادير‘‘ وهي كلمة أمازيغية تعني المخزن، وجمعها مخازن. كانت ملكا جماعيا، بمعنى أنها مخازن مشتركة للعموم، شاعت في منطقة سوس ماسة.

يشبهها البعض حاليا بالبنوك، إذ كان السكان يؤمنون أمتعتهم وممتلكاتهم بها، من عمليات السلب والنهب جراء الغزوات والنزاعات بين القبائل السائدة آنذاك، وحتى عند حلول السنوات العجاف، جراء القحط والجفاف.

فتخزن فيها المحاصيل مثل القمح والشعير على وجه التحديد، استعدادا لسنوات الجفاف التي تطول في كثير من الأحيان.

كما تستعمل غرف المخازن المؤمنة، في تخزين مواد غذائية أخرى من قبيل السمن والعسل، وأغراض أخرى مهمة مثل الوثائق والعقود، و الحلي من الذهب والفضة تحديدا.

كما شاع أيضا أنها كانت تحمي أنفس الأفراد في حال نشوب هجمات مسلحة، ما يجعل وصف ’’الحصن المنيع‘‘ يرتبط أيضا بمصطلح ‘‘إكودار‘‘. 

وتعد هذه المخازن اليوم دليلا على ثراء الثقافة الأمازيغية والهندسة المعمارية المغربية.

يتميز الهيكل الهندسي لـ”إكودار”، بكونه يضم اثنان إلى أربعة أبراج، “بغرف تدعى ’’أحانو‘‘، يتراوح طولها في الغالب بين 8 و10 أمتار، فيما عرضها وارتفاعها لا يتجاوزان المتر ونص المتر.

تتقابل هذه الغرف مع بعضها، وفي بعض الحالات تكون مرصوصة على شكل صفّين متقابلين، وفي حالات أخرى قد تصل إلى خمس بنايات، حسب أهمية المخزن وحسب حجم القبيلة.

وفي وقت تتشكل فيه مخازن من غرف لا يتجاوز عددها الستين، توجد مخازن أخرى تحوي أكثر من 200 غرفة مثل مخازن ’’أكادير إنومار’’.

كل ذلك ضمن فضاءات جماعية، لا تتوفر إلا على مدخل واحد، يخضع لحراسة دقيقة. ومفتاح بابه في عهدة ’’لامين‘‘ أو الأمين، حارس ‘‘إكودار‘‘.

وقد صُمم بعضها في شكل قرية صغيرة، تضم خزان مياه، وفضاء للماشية، ومأوى تلجأ إليه الساكنة حين الاحتماء من الغارات والهجمات.

فيما توكل مهمة تسيير مخازن ’’إكودار‘‘ إلى مجلس، يتكون من الأسر الكبيرة بالقبيلة، مجسدا بذلك الديمقراطية الأمازيغية المحلية.

وينوب هذا المجلس عن باقي الساكنة في تدبير الحياة داخل المخزن الجماعي، بما فيها تعيين ’’لامين‘‘، وتحرير المخالفات، وتحديد العقوبات ووضع حراسة ليلية بنظام التناوب أو ‘‘تاوالا‘‘ كما يقال له باللغة الأمازيغية.

وظائف دفاعية

يٌسير المجلس هذا النظام في المجمل وفق قوانين مكتوبة على لوح بمثابة القانون الداخلي لمخازن ’’إكودار‘‘.

ويرجع تاريخ أقدم لوح تم اكتشافه حتى الآن إلى 1493 ميلادية، أطلق عليه اسم لوح “أكادير أوجاريف”.

كانت لهذه المخازن الجماعية في الماضي وظائف دفاعية، وهي قبل كل شيء، رمز من رموز التنظيم القبلي المتناغم.

بناها الأمازيغ في أماكن جبلية، خصوصا في الأطلس الصغير الغربي، والأطلس الكبير الأوسط كمنطقة آيت عبدي.

كما توجد نماذج منها في مناطق آيت عبلا وإغرم، إذ يعود تاريخ إلى عهد قديم، لأن هناك ما يُعرف بالمخازن المغارات، جزء منها لازال قائما كأكادير أجكال’’ في منطقة آيت وبلّي لدى رحل الأطلس.

وكانت تقوم أيضا بدور دفاعي، ما يفسر تشييد هذه المخازن الجماعية في قمم الجبال والمناطق البعيدة عن السلطة المركزية، لتشكل بذلك نوعا من الملاذ والحماية، والحصون المبنية من مواد محلية، كالطين والحجارة الصلبة وجذوع الشجر.

الطريق صوب يونيسكو

يتهدد الاندثار مخازن ’’إكودار‘‘ المتحصنة بجبال المغرب، منذ مايفوق 32 قرنا، حسب معطيات غير رسمية.

واقع المخازن الجماعية اليوم، وما تتعرض له من هدم وإتلاف، ونهب للمحتويات النفيسة من قبيل المخطوطات القديمة القيمة، والأبواب التقليدية المنقوشة وبعض التحف، يفرض تدخل الجهات المعنية، من أجل حماية وترميم هذه التحف المعمارية.

بل الأكثر من ذلك، يجب العمل من أجل توظيفها، كتراث معماري وطني، في تشجيع السياحة الداخلية والخارجية على حد سواء، ما سيشكل رافعة للتنمية المحلية.

كما يجب الاهتمام بها كتراث إنساني عالمي، شاهد على حقبة مهمة من التاريخ. وينتظر باحثون ومهتمون بالتراث المغربي، استكمال ملف ‘’إكودار’’ من أجل تقديمه لمنظمة ‘’يونيسكو’’، كتراث عالمي، يستوجب الحفاظ عليه سريعا وبشكل جدي قبل فوات الأوان.

وسيسهم الاعتراف بـ‘‘إكودار‘‘ كتراث إنساني، في إنقاذها من غياهب النسيان، وحماية هذا التراث كمنظومة متكاملة فريدة من نوعها تشمل المعالم المعيارية والقيم الثقافية.