بانوراما رمضان.. أسرار رسومات المغربي القديم على صخور جهة سوس

تنشر جريدة “أكاديرإينو” بتعاون مع جريدة “le12.ma” طوال الشهر الفضيل، ربورتاجات وبورتريهات حول أشخاص وأمكنة من سوس العالمة، كان لها الأثر في أحداث ووقائع يذكرها الناس ويوثقها التاريخ.

في حلقة اليوم يأخذكم هذا الربورتاج في رحلة إكتشاف أسرار رسومات المغربي القديم على صخور جهة سوس

*سامية أتزنيت

تزخر جهة سوس ماسة بالعديد من النقوش التاريخية والصخور الأثرية. ويحتضن إقليم “طاطا” لوحده، وتحديدا الأراضي التي تحتلها سلسلة جبل “باني” و”واد درعة”، أكثر من 80 موقعا للنقوش الصخرية.  فيما يجعل المنطقة متحفا أثريا وتاريخيا مقاما في الهواء الطلق للزوار من كل بقاع العالم.

نقوش جبل “باني”

“الفن الصخري” تعبير يحيل على جميع أشكال الأعمال الفنية الإنسانية، بما فيها تلك التي رسمها إنسان الأزمنة الغابرة على الصخور وجدران الكهوف.

ويحتل هذا الشكل الفني جزءًا كبيرًا من فن ما قبل التاريخ. ولا يتعلق الأمر بموروث مجموعة عرقية معينة أو ثقافة معينة، بل هي عالمية تهم البشريه جمعاء.

ويمكن اكتشاف الفن الصخري الذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين، في رحلة إلى منطقة بجبل باني، تمتد لثلاث ساعات ونصف انطلاقا من مدينة أكادير (310 كيلومترا.)

تقع منطقة باني القاحلة شرق سوس ماسة. وتحدها من الشمال جبال الأطلس الصغير ومن الجنوب الصحراء. وتتواجد هذه المنطقة تحديدا وسط سلسلة جبلية، تعبرها لما يقرب من 500 كيلومتر بين زاكورة وطانطان.

وتنتشر الوديان في منطقة باني، وهي جميعها من روافد وادي درعة، التي تخترق السلسلة الجبلية عبر مضايق، ادت لظهور واحات مثل واحات “فم زكيد” و”تسينت” و”طاطا” وغيرها.

ويعد الفن الصخري بجبل “باني”، أفضل وسيلة لاكتشاف العصور ما قبل التاريخ، خصوصا تلك التي سادت بالمنطقة. وقد اكتشف علماء وباحثون مغاربة وأجانب مؤخرا، رسوما صخرية في  مغارات بجبال “باني” قرب مدينة “زاكورة”، تؤكد وجود هجرات بشرية ما قبل التاريخ، بين شمال افريقيا والصحراء الكبرى. كما تم اكتشاف مواقع جديدة تضم العديد من الكتابات الأمازيغية المرسومة.

ويعتبر جبل “باني”، بحسب رأي كثير من العلماء، خزانا كبيرا للمواقع الأثرية بالمغرب، والذي يستحق أن يُدرَج ضمن لائحة اليونيسكو للتراث الإنساني العالمي.

وجدير بالذكر أن النقوش الصخرية ليست البقايا الوحيدة التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ في المنطقة. فهي تضم أيضا مواقع عديدة لمختلف العصور، بدءا من العصر الحجري والتي تشهد على وجود الإنسان لآلاف السنين حتى قبل ظهور الفن الصخري.

موقع “أوكاس” تافراوت

تعتبر النقوش الصخرية من أهم المواقع الأثرية المتواجدة بجماعة “أفلا اغير” بدائرة “تافراوت”، و موقع “أوكاس” أهمها على الإطلاق.

فقد أحصى العلماء أزيد من 100 من المنحوتات الصخرية في هضبة “أوكاس”، التي يمكن الوصول إليها بعد زيارة “مضايق آيت منصور” وواحتها الطبيعية الساحرة، الممتدة على طول الوادي، والمحاطة بالصخور الضخمة.

وفي “اوكاس” المتحف الطبيعي للفن الصخري، تنوعت الرسومات. فبعضها يعود إلى حيوانات كانت تعيش في فترة ما قبل التاريخ بالمنطقة كأصناف البقريات والأكباش، وأخرى إلى بعض الطقوس والرموز الدينية كأقراص الشمس والدوائر اللولبية. المؤسف في الأمر، هو أن بعضا من هذه النقوش التاريخية تعرض للتخريب على يد مجهولين، ما يشكل خسارة بالنسبة للتراث الإنساني.

“نابليون والصخور الملونة”

في الطريق إلى مضايق آيت منصور، ستجد الصخور الملونة بمنطقة ” أومركت “، التي أبدع في تلوينها الفنان البلجيكي فيرام في منتصف الثمانينيات، وأصبحت اليوم علامة مميزة لمنطقة تافراوت، يأتيها الزوار من كل أرجاء العالم.

ومن بين معالم هذه المنطقة أيضا، صخرة شهيرة  تسمى “قبعة نابوليون”. وأطلق عليها هذا الاسم، لكون شكلها أشبه بشكل قبعة نابليون الشهيرة. وهي عبارة عن صخور ملتوية تتواجد بدوار “أكرض أوضاض” بتافراوت.

وتشتهر المنطقة أيضا بالنقوش الصخرية المتواجدة بمنطقة “تازكا”، أشهرها رسم الغزالة. ويقول الباحثون في هذا الصدد إن تلك النقوش تؤرخ لحضارة إنسان ما قبل التاريخ.

  وعلى جبال تافراوت الشامخة يتواجد رأس الأسد، أو كما يطلق عليه الأهل “أقلال ن إفيس”، وهو عبارة عن نقوش تشكلت بفعل العوامل الطبيعية.

موقع “بوتاريكت” تيزنيت

ضم موقع “بوتاريكت” بإقليم تيزنيت، نقوشا صخرية يعود تاريخها إلى ألفي سنة قبل الميلاد. ويعود عمر النقوش التي تحملها هذه الصخرة، إلى الفترة الأمازيغية حسب التصنيف المتداول في التوزيع الكرونولوجي للفن الصخري بالمغرب وبشمال إفريقيا. وهذه النقوش عبارة عن خيليات وفرسان صغيرة الحجم منقوشة بواسطة تقنية النقر.

لكن يد التخريب طالتها، بسبب قلة الوعي بأهمية هذا الإرث الإنساني. فقد تعرض الموقع لعملية تكسير إحدى الصخور الكبيرة.

ويشكل موقع “بوتاريكت” جزء من مجموعة مواقع كثيرة أخرى للفن الصخري، منها ما يرجع إلى فترات أقدم، أي العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث، ومنها ما يرجع إلى فترات تاريخية متأخرة.