بانوراما رمضان.. قصبة “تيوت”.. معلمة نهضة دولة السعديين بتارودانت

تنشر جريدة “أكاديرإنو” بتعاون مع جريدة “le12.ma” طوال الشهر الفضيل، ربورتاجات وبورتريهات حول أشخاص وأمكنة من سوس العالمة، كان لها الأثر في أحداث ووقائع يذكرها الناس ويوثقها التاريخ.

في حلقة اليوم يأخذكم هذا الربورتاج في رحلة إكتشاف قصبة “تيوت”.. معلمة نهضة دولة السعديين بتارودانت

* سامية أوتزنيت

قصبة واحة “تيوت”، التي تعبق برائحة تاريخ عظيم، لمدينة قديمة، يعود تاريخ تأسيسها إلى ماقبل القرن السادس عشر ميلادي. هناك، حيث النخيل وشجر الأركان، يقف شامخا شاهدا، على عظمة هذه الأرض وأهلها. إنها “تيوت” منبع الدولة السعدية بتارودانت.

واحة “تيوت”

في رحلة تستغرق ساعات من مدينة أكادير، وعلى مدى 155 كيلومترا، ستجد نفسك أمام قصبة “تيوت” الشهيرة، على تل يرتفع فوق واحة النخيل الشهيرة.

“تيوت” جماعة قروية بإقليم تارودانت، تضم دواوير منها “إيكودين” و”تكاديرت ن دوج” و”أزور” و”أكرايز” وغيرها، بما فيها دوار “القصبة”.

اختلف المؤرخون حول تاريخ هذه القصبة، فمنهم من ربطها بالموحدين وآخرون بالمرابطين، فيما قال البقية إنها عرفت استقلال السعديين وكانت عاصمة للمغرب في عهدهم. فيكون الراجح بذلك أن تاريخ هذه القصبة الرائعة، يعود إلى الحقبة السعدية (القرن السادس عشر).

وتعد “واحة تيوت” متاهة حقيقية من المساحات الخضراء عند سفح القصبة. بعد قنوات الري، سوف تتجول بين شجر الزيتون والبرتقال والرمان والخروب وأكثر من عشرين ألف نخلة. كيف لا تكون أنسب اختيار للسفر والاستجمام وهي التي كانت مركز اصطياف لأمراء السعديين.

ويوجد في “تيوت” مجموعة من المطاعم والمقاهي منها ما هو عصري وآخر تقليدي. وتتواجد بعض المطاعم وسط واحات النخيل،  تمنح الزائر تجربة فريدة.

وفضلا عن السياحة، يعتاش سكان الواحة بشكل رئيسي من زراعة الحبوب وثمار النخيل.

تاريخ عريق

تيوت في موقع استراتيجي، فهي بمثابة بوابة يدخل منها إلى الأطلس الصغير كل من جاء من سوس، وكانت مركزا مهما حتى قبل الإستعمار الفرنسي.

لا تبعد “تيوت” عن تارودانت سوى 30 كيلومترا، وكانت محط الرحلات المختلفة، من العلمية إلى التجارية والصناعات التقليدية.

وكانت مدينة قائمة بذاتها تتوفر فيها كافة مقومات المدينة في تاريخ ما قبل القرن 16. ومن الناحية التاريخية فقد اعطيت لتيوت اهمية كبرى في عهد السعديين بالخصوص، ففيها تم توقيع اتفاقية مبايعة القائم بأمر الله السعدي، سنة 916 هجرية الموافق لـ 1510 ميلادية. وتمت المبايعة في تدسي فيما بعد حيث خطب فيهم خطبة أمازيغية، حض فيها على الجهاد وفصل فيها المهام والواجبات والحقوق.

خص السعديون “تيوت” بمعالم مهمة وكبرى، فبنوا فيها “أكادير ن تيوت” أي “قصبة تيوت”، كمركز قيادة للسعديين.

ويقول المؤرخ محمد المختار السوسي في أحد خطاطاته، إنه حين البحث في أساس القصبة وجدت عملة ذهبية تعود للموحدين، فهنا كان الاختلاف حول أصول القصبة. لكن الأكيد أنها كانت ذو شأن عظيم، تحيطها أسوار ثلاث، وتضم المرافق المهمة التي شاعت بين قصور القادة والسلاطين في المغرب. منها على سبيل المثال لا الحصر، المخازن الكبرى، وقاعات الاستقبال الفسيحة وحتى المعتقلات السرية.

وكان مما كان في آخر حكام هذه القصبة قبل اندثار مجدها، القايد محمد التيوتي، واحد من رجالات سوس.

محط العلماء

تعد “تيوت” من الناجب العلمي، محط كثير من علماء سوس وخارج سوس. ومن أشهر هؤلاء في التاريخ، سيدي الحسن بن عثمان التيملي، الذي استقدمه السعديون منذ مبايعة القائم بأمر الله. فجاء إلى تيوت وسكنها، وصارت البلد منذ ذلك الحين “مدرسة الأمراء” ومنارة للعلم. ومنها تعلم محمد الشيخ السعدي، وبعض أبنائه. ومنها نهل أحمد المنصور الذهبي العلم كما نهله من تارودانت.

ومن هؤلاء العلماء، أيضا كذلك سيدي الحاج أحمد بن عبد الرحمن التيملي الذي كان إماما لسيدي الحسن الأول لمدة ناهزت الخمس سنوات في مكناس، فكان يصلي به الصلوات الخمس ويلقي الخطب ودروس الوعظ، قبل أن يلتمس منه العودة إلى مسقط رأسه بتارودانت.

كما كانت المنطقة مركز علم، حيث مازالت بها آثار أشهر مدرسة علمية عتيقة بإقليم تارودانت وتسمى بـ “الجشتيمية” نسبة إلى العالم أبو العباس الجشتيمي. وكان لهذه الأخيرة دور كبير في تخريج عدد من علماء سوس. ويتواجد بقلب جماعة “تيوت” مسجد قديم يسمى “مسجد السعديين”.

“تيوت” العتيقة

“تيوت” وتنطق بكسر التاء وتشديد الياء وضمها وتسكين التاء الأخيرة، تعني سنم الجمل، بحكم ارتفاعها المحدود عند قدم الجبل وسط عدة مرتفعات.

ويقول باحثون في ماضي المنطقة إنها لعبت دورا هاما في السياسة والتجارة منذ بداية القرن العاشر الهجري. وكان يقصد المنطقة تجار من أماكن بعيدة مثل فاس ومراكش وحتى بلاد النيجر، حيث كانت مشهورة بإنتاج وصناعة السكر والأثواب وإستقر بها اليهود الصناع، ويوجد في المنطقة مكان يسمى “دوؤداين” أي “سفلى اليهود” إستقرت فيها في الماضي تجمعات سكنية يهودية.

تحتض المنطقة العديد من المدارس العتيقة أشهرها المدرسة “الجشتمية”. وكانت “تيوت” شاهدة على علم سيدي الحاج أحمد الجشتيمي ( ت 1327 هـ )، المعروف بـ”أبي العباس الجشتيمي”، ويوجد ضريحه بقصبة “تيوت”. ويقال إن الأسرة الجشتيمية من سلالة الصحابي الجليل “أبو بكر الصديق” رضي الله عنه. وهي من الأسر العلمية بسوس التي تحدث عنها المختار السوسي في مؤلفيه “سوس العالمة” و”المعسول”.

وتبقى المنطقة بتنوعها وثرائها التاريخي والطبيعي، منطقة جديرة بالزيارة والاستكشاف، خصوصا وأنها معروفة بإسهامها في المجال السينمائي إبان الاستعمار الفرنسي، حيث تم بها تصوير الفيلم الفرنسي “علي بابا” سنة 1953.

* المراجع:
-كتب – صحف – سوشل ميديا