حوار مع الأستاذ عبد الله حتوس بشأن حملة الاحتجاج ضد غلاء الأسعار ومآلاتها

حاوره: الحسن باكريم

السيد عبد الله حتوس مرحبا بكم مرة أخرى وشكرا على قبول الإجابة على أسئلتنا.

كل الشكر لكم الأستاذ لحسن باكريم.

أنتم من المتابعين للنقاش العمومي باستمرار، وغالبا ما تكون كتاباتكم محل تقدير من طرف القراء. نريد ان نسألكم اليوم عن قراءتكم للنقاش العمومي بشأن ارتفاع الأسعار والدعوة للتظاهر؟

من الصعب إضفاء صفة النقاش العمومي على ما يجري اليوم على منصات التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي، وإن كان الأمر يهم الآثار التبعية لما يجري في الأسواق العالمية على القدرة الشرائية للمواطنين.

ما يجري ويدور لا يتجاوز كونه إرهاصات قلق عام من تدني القدرة الشرائية للمواطنين بسبب ارتفاع كبير للأسعار في السوق الدولية وخصوصا أسعار المحروقات، ولم يَرْقَ الأمر بَعْدُ إلى مستوى ما يسمى بالاستعمال العمومي لِلْعَقْل، والذي يعد من شروط النقاش العمومي.

لا حاجة للتذكير إلى أن النقاش العمومي من الأسس التي يقوم عليها البناء الديمقراطي، أعني ما يسمى في الادبيات السياسية “الحُكْمُ بالنقاش”؛ وفي المغرب لا زلنا لم نصل بعد إلى مستوى تجتمع فيه كل شروط النقاش العمومي، واذكر منها: مجتمع مدني قوي ومسؤول، أحزاب سياسية ذات قوة تأطيريه، ان يؤطر النقاش بالعقل وليس بالعواطف، المساواة بين المشاركين في النقاش، أن يبنى النقاش على الحجج والبراهين وليس المزاعم، و أخيرا مؤسسات مثينة للوساطة.

(أقاطعه) إذا لم يكن ما يجري نقاشا عموميا فماذا يكون إذن؟

ما يجري لا يعدو كونه شكلا من اشكال الجيل الجديد من الاحتجاجات والتي يتقن المشاركون فيها توظيف الجيل الثالث من الثورة المعرفية، ونقصد الثورة الرقمية وثورة تكنولوجيا الاتصال؛ غير أنه وجب الانتباه إلى أن هذه الأشكال التي تعتمد على أفقية هندسة التفاعلات الاجتماعية في العالم الرقمي، والمتحررة من كل قواعد التنظيم والقيادة والمسؤولية، يمكن توظيفها في كل الاتجاهات بما فيها تلك التي لا علاقة لها بأسباب الاحتجاج والأهداف المتوخاة من الاحتجاج، كما هو الحال بالنسبة لما يجري الآن ببلادنا.

هل تقصد توظيفها في الدعوة إلى رحيل رئيس الحكومة؟

نعم، هشتاغ “أخنوش ارحل “من الشعارات التي أقحمت في هذه الاحتجاجات، واظن أن من اقحم هذا الهشتاغ يبحث عن ما يسمى ب “Bad buzz” والذي يُتَوَخى منه الإساءة إلى رئيس الحكومة من خلال تحميله مسؤولية ارتفاع الأسعار رغم ان الجميع يعرف أن ارتفاع الأسعار يجد أسبابه المباشرة في ارتفاع الأسعار في السوق العالمية والهزة التي عرفها سوق المحروقات بسبب الصراع الجيوستراتيجي بين أمريكا وحلفائها الأوروبيين من جهة وروسيا مدعومة بالصين من جهة أخرى. فمحاولة الإساءة إلى شخص رئيس الحكومة بالركوب على ارتفاع الأسعار اعتمد على التسويق الفيروسي “le marketing viral” وحرب عصابات التسويق “Guérilla marketing”، بغية الرفع من معدل انتشار الهشتاغ  “Taux de viralité” على مواقع التواصل الاجتماعي.

لماذا التركيز على شخص رئيس الحكومة؟

سبق لي وان شرحت في مقال حول “مسيرة رجال الاعمال نحو الحكم” إلى أنه من تداعيات التساقط المتتالي لقلاع الأحزاب التقليدية من اليمين واليسار بعد انصراف الشعوب عنها وتقدم أحزاب أخرى بقيادة رجال الأعمال وحيازتها لثقة الناخبين، قلت، كان من تداعيات ذلك، تغيير القيادات السياسية التقليدية لأساليب العمل، حيث نقلت معركتها مع رجال الاعمال إلى العالم الافتراضي سعيا منها إلى التأثير على الراي العام ومن ثمة على الواقع السياسي؛ ففي المغرب مثلا، يكفي أن تتوفر لحزب العدالة والتنمية المتضرر الأساسي من سطوع نجم السيد عزيز اخنوش، جيش إلكتروني من خمسمائة شخص متنكر تحت أسماء مستعارة، لكي يتمكن حزب المصباح من تقديم رئيس الحكومة المغربية كمسؤول مباشر عن الجفاف، وارتفاع أسعار المحروقات في السوق العالمية، وتوقف أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي…إلخ.

التركيز أيضا على شخص رئيس الحكومة يجد أسبابه في الالتزامات التي تعاقدت عليها الحكومة مع ممثلي الأمة، فتمويل مشروع الدولة الاجتماعية كما قدمها السيد رئيس الحكومة يحتاج على إيرادات ضريبية في مستوى التحدي وإلى القطع مع الاقتصاد اللامهيكل، الشيء الذي سيسقط العديد من الضحايا: أولهم المستفيدون من ملايير الاقتصاد اللامهيكل، واللوبيات الإدارية التي تحمي القطاع غير المهيكل وتجني منه الملايير، كما يزعج ذلك الشركات المتهربة من التزاماتها الضريبية (علما أن 1% من الشركات فقط تساهم ب 80%  من إيرادات الضريبة على الشركات)، إضافة إلى الكثير من المستفيدين من بؤر الريع؛ فكل مستفيد من الريع بكل أشكاله والتهرب الضريبي بكل تلاوينه سيزعجه شخص رئيس الحكومة وقد يركب موج الغضب من غلاء الأسعار.

هل يمكن اعتبار هذه الحملة عملا شعبويا؟

لا، أبدا، لا يمكن قول ذلك، او كما يقول الفرنسيون ” n’est pas populiste qui veut”، فالشَّعبوية منظروها لعل أبرزهم المنظر السياسي الارجنتيني أرنستو لاكلو (1935- 2014) ، كما أن الأسس التي تقوم عليها الشعبوية لا علاقة لها بما نحن بصدده. هناك شيء واحد يتقاسمه الشعبويون مع من ركب موج معاناة المغاربة مع غلاء الاسعار، ألا وهو إلقاء اللوم على شخص واحد هو رئيس الحكومة وتحميله مسؤولية كل المصاعب والكوارث، انطلاقا من ثنائية نحن الأخيار وأنت الشرير.

ما هي توقعاتك بالنسبة للأسابيع المقبلة؟

ستستمر هذه الحملة لأسابيع أخرى وقد تكسب منخرطين آخرين، علما أنها لم تستطع تجييش أكثر من 10% من الجمهور الافتراضي الذي جيشته حملة المقاطعة سنة 2018، حسب ما أشار إلى ذلك بعض المحللين.

وسيتراجع مستواها بالتوازي مع نجاح العمل التواصلي للحكومة لشرح أسباب ارتفاع الأسعار وتأثيرها على القدرة الشرائية للمواطنين ونجاح تواصلها بشأن توضيح أهمية الاوراش التي فتحتها أو التي ستفتحها مستقبلا؛ وسيتراجع مستوى هذه الحملة الافتراضية، أيضا، بالتوازي مع بداية مفعول الإجراءات الحكومية ذات الصلة بالحد من الغلاء وتداعيات الجفاف على الموسم الفلاحي